نبيل سبيع
أنْ تكون عميلاً، هذا ما يفعله عديدون. لكنْ، أنْ تكون عميلاً وتصف كل خصومك ومخالفيك في الرأي بأنهم "عملاء"، فهذا ما يفعله الحوثي.
وسائل الدعاية الحوثية حولت مؤتمراً صحفياً عقدته السفارة الأمريكية بصنعاء قبل أيام الى مناسبة لشن حملة تخوين وتشهير ضد الصحفيين والكتاب الذين ينتقدون ممارسات الجماعة. "قلبوا الدنيا" رأساً على عقب، وطالبوا بقائمة أسماء الصحفيين الحاضرين، وهددوا بمعاقبتهم باعتبارهم "عملاء"! والمضحك أن الحملة تركزت على صحفيين لم يحضروا هذا المؤتمر ولا علموا به (وأنا أحدهم)، ولم تطل الصحفيين الذين حضروه على الإطلاق!
يحق لأي صحفي طبعاً حضور أي مؤتمر صحفي تعقده أي سفارة. ولو كنتُ بين من حضروا المؤتمر، لقلتُ إنني حضرت، ولكتبت عنه بعد مغادرته، فليس في هذا ما يعيب. لكنْ، كيف يمكن اقناع الحوثيين بأن حضور صحفي ما مؤتمراً صحفياً لا يعني أنه "عميل" بل أنه "صحفي"؟! لا أدري. لكنْ، طالما أنهم مستمرون بالحديث عن المؤتمر و"العمالة"، دعونا نحاول الخروج بأمثلة بسيطة عن معنى "العمالة" لدولة أجنبية
تنفيذ عمليات إستخباراتية وعسكرية لحساب دولة أجنبية في بلدك، هذه هي ذروة "العمالة"، وهذا ما فعله ويفعله الحوثي: مثلاً، كان من أول ما قام به الحوثي بعد اقتحامه صنعاء (21 سبتمبر)، قتل واعتقال عشرات الضباط العراقيين العاملين في جهاز الأمن القومي اليمني، وضباط عسكريين آخرين يعملون بصفة مستشارين بوزارتي الداخلية والدفاع اليمنيتين، وعدد من ضباط القوة الجوية اليمنية، وكل هؤلاء محسوبون لدى طهران على جهاز مخابرات البعث العراقي ونظام صدام سابقاً. ومن لم يُقْتَل أو يُعْتَقَل منهم، تم طردهم بطريقة مهينة: أعطوا العشرات منهم ممن كانوا يعملون في القوة الجوية اليمنية مهلة أسبوعين لمغادرة البلاد، وهذا كله لم يكشفه إعلام مناوئ للحوثيين بل قناة "العالم" يوم 29 سبتمبر. القناة الإيرانية أوضحت أن الحوثيين قتلوا "نظمي اوجي" وكيل أعمال صدام حسين و"محمد برزان التكريتي" و"صدام الكعود" أبرز قيادات حزب البعث العراقي باليمن. ونقلت على لسان عبدالخالق الحوثي قوله "أننا اليوم (الإثنين 29 سبتمبر) تمكنا من قتل أبرز قيادات البعث العراقية التي كانت تقود التنظيم بعد عام 2003 في اليمن".
بعد دخولهم صنعاء، لم يتصرف الحوثيون كـ"ميليشيا يمنية" تسعى فقط للسيطرة على العاصمة، بل تصرفوا كقوة تابعة لـ"الحرس الثوري الإيراني" اقتحمت صنعاء وعلى رأس أولوياتها تصفية واعتقال وطرد الضباط العراقيين المحسوبين على نظام صدام والعاملين لدى الدولة اليمنية. وفيما قتلوا واعتقلوا العشرات منهم بشبهة وذريعة مشاركتهم في حروب صعدة، طردوا البقية بدون سبب سوى أنهم محسوبون على نظام بغداد الذي حارب طهران قبل 30 عاماً!
إنه ثأرٌ إيراني بأيدٍ حوثية من ضباط عراقيين لاجئين في اليمن على خلفية حرب بين العراق وإيران مرت عليها ثلاثة عقود!
خبر قناة "العالم" أثار استياء الحوثيين كما يبدو، ما دفعها لحذفه، ولكنْ بعد تداول وسائل الإعلام له. وهذا الخبر لم يظهر بالطبع سوى "أُذْن الجَمَل"، جمل العمليات الإستخباراتية والعسكرية الحوثية لحساب إيران في اليمن. ولا تشكل هذه العمليات بحد ذاتها سوى "أُذْن جَمَل" العمالة الحوثية لإيران. فهناك جوانب أخرى عديدة لهذه "العمالة" لا تبدأ من فرض "شعار الخميني" كبديل للعلم الوطني اليمني (أو في أحسن الأحوال: فوقه) ولا تنتهي بالتمويلات المالية وغيرها ونقل سيادة القرار السياسي اليمني من صنعاء الى طهران: إتفاق السلم والشراكة الذي ظننا أنه أتى من صعدة أتى في الواقع من طهران عبر عُمان، كما كشف عبدالكريم الإرياني في مقابلته الأخيرة.
أليس هذا (وغيره الكثير) "عمالة" سافرة وصارخة أم لا؟ وأليس ما تقوم به إيران منذ وقت تدخلاً صارخاً وسافراً في شؤون اليمن أم لا؟ إذا كان الحوثيون ينفذون أجندة إيران في اليمن ويضعون قرار صنعاء السياسي في قبضة طهران دون علمٍ منهم بأن هذه "عمالة"، فهذه مصيبة. أما إذا كانوا يفعلون هذا باعتباره "عملاً وطنياً"، فالمصيبة أعظم.
هل يؤمن الحوثي حقاً باستقلال اليمن عن إيران، وأنه ليس من حق أي دولة أجنبية بما في ذلك إيران التدخل في شؤون اليمن؟ أشك، فكل ممارساته تؤكد العكس!
وفي النهاية، إذا كان قادة ونشطاء جماعة الحوثي يعتبرون العمل الصحفي "عمالة"، فهذا طبيعي جداً بالنسبة لهم: فهم يعتبرون "العمالة" لإيران "وطنية"!