عامر الدميني
أسوأ ما يمكن أن يسجل على صالح طوال تأريخ حكمه هو سياسة التجويع للنخب والشعب على حد سواء لتسهيل تطويعهم وإبقائهم ذاعنين لسلطته كحاكم.
وهذا الإخضاع النابع من الحاجة للمال وضروريات البقاء جعلت هؤلاء الأتباع في حالة ارتهان خوفا من الجوع وضياع المصالح التي تحولت من سلوك مشبوه إلى حق مكتسب، والنتيجة أدت إلى خلق جمهور واسع من قطاعات الشعب وموظفي الدولة الهم الأول لهم كيف يكافحون للبقاء في الحياة وتوفير الحد الأدنى من مستلزمات العيش داخل بلادهم.
وبالتالي صار من العسير التعويل على الشعب كطاقة فاعلة في عمليات التغيير المتتالية، فالشعب الجائع لا يمكن أن يثور إلا بعد أن يوشك على الموت، والجوع هو الصانع الأول لكل أمراض المجتمعات، فهو يدمر النزاهة ويلتهم القانون ويسحق الفضيلة ويذيب الكرامة والمروءة ويقتل الرجولة.
فكيف ننتظر من شعب جائع أن يخرج هاتفا للحرية أو مطالبا بالعدالة أو مقاتلا للمستبد بينما يعيش معظم شرائحه على تجميع القوارير الفارغة لبيعها، وشريحة أخرى على علبة الزبادي كوجبة يومية في حياتها، وآخرون يصارعون في سبيل البقاء قبل أن تسحقهم ظروف الحياة دون أن يشعر بهم أحد.
وهذي السياسة التي سلكها صالح هي امتداد لثقافة الحكم العربية المتجسدة منذ قرون في ذهنية المواطن العربي، ويلخصها المثل الشهير “جوع كلبك يتبعك”، وحكمت استنادا لها العديد من الأنظمة السياسية المتعاقبة، لكنها رغم ذلك أثبتت فشلها واندحار من أخذ بها، بينما ظلت الشعوب موجودة لكنها تصارع الجوع في سبيل البقاء.
***
ما قاله زيد الشامي عن الحوثي وعدم محافظته على ما تم الاتفاق عليه كان نتيجة متوقعة رغم ما علقناه من آمال ونوايا طيبة على ذلك الاتفاق.
شخصيا كنت من المدافعين عن الاتفاق رغم احتفاظي بالحذر والشك، ومصدر الثقة في الترحيب بذلك الاتفاق كان نابعا من إدراك المتغيرات التي استجدت في مسيرة الطرفين، والتي كان من المفترض استثمارها لمصلحتهما.
غير أن هتك الاتفاق من قبل الحوثي سيسجل كمكسب لصالح الإصلاح كونه من استشعر المسؤولية وحافظ على بنود الاتفاق رغم حدة النقد ودرجة الاعتراض من أتباعه.
كما أن نكث الحوثي لبنود الاتفاق يعزز القناعة بعدم احترامه لأي اتفاق يوقع عليه مع أي طرف ابتداء من دماج وانتهاء باتفاق السلم والشراكة، وأن الهدف من تلك الاتفاقات هو استثمار الوقت لتجاوز ظروف معينة.
وأسوأ ما في نقض الاتفاق هو ظهور الإصلاح في موقف الاستغباء، وهو ما سيستثمره الحوثي لتسويق قوته، ويجعل الإصلاح في وضع تشفي من خصومه وأصدقائه.
كلام الشامي يعكس حرقة كبيرة في نفسه وألماً متقداً في الصدر ومرارة واضحة تبين درجة القهر، من المبادرة للتواصل مع الحوثي أولا، ومن الوضع الذي آل إليه ذلك الاتفاق ثانيا.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل منشور زيد الشامي بيان نعي لذلك الاتفاق الذي أبرم بين الحوثي والإصلاح أم ماذا؟
ودون الإجابة على السؤال علينا أن ندرك يقينا أن الحوثي لازال أمامه مهمات باقية في قائمة الأعمال الشيطانية الموكلة إليه ينبغي عليه إنجازها، وأن هذا الحال سيستمر مادام الحوثي موجود والدولة غائبة.
بل ينبغي الآن أن ندرك جيدا أن وقف صلف وعبث الحوثي ليست مسؤولية طرف سياسي معين لينوب عن الجميع، بل هي مسؤولية عامة تقع على عاتق كل المكونات التي تشعر بالانتماء الوطني، وكل المواطنين الغيورين على بلدهم، وأن من السهل تفجير الدور والمقرات واجتثاث الممتلكات وقتل الأشخاص، لكن من الصعب القضاء على الفكر والفكرة، فهي نبتة ستظل حية وخالدة في الصدور تأبى الاندثار وعصية على الاجتثاث، وهذا ما لم يدركه الحوثيون ومن يساندهم أو يبارك أفعالهم.
وفي كل الأحوال لندع الحوثي الذي يسير على درب صالح في حروبه داخل ?اليمن للزمن فهو كفيل بعلاجه، أما نظام هادي فلا تعويل عليه لكبح هذا الجنون الطائش.
[email protected]