محمد خلفان الصوافي
هناك بعض التعليقات تعتقد أن زيارة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، لمقر قوات التحالف، السعودية والإماراتية، وظهوره علناً في وسائل الإعلام، يمثل علامة سياسية مهمة في تطورات الوضع اليمني، ليس فقط من الناحية السياسية والتي تعني بدء عودة السلطة الشرعية لممارسة مهامها، وإنما أيضاً من الناحية الميدانية حيث تمثل تلك الزيارة تأكيداً على أن المرحلة الأولى من الحرب والتي هدفها القضاء على القوة العسكرية لممثلي إيران «الحوثيين» قد تحققت إلى حد كبير.
ومع أن الزيارة هي خطوة معنوية في الأساس، خاصة أنها جاءت خلال أيام العيد، إلا أنها في الحقيقة ذات كبيرة فيما يخص القراءة الموضوعية والفهم الدقيق لسير العمليات خلال المرحلة المقبلة. فهذه الزيارة تعني أن العملية الرامية إلى تحرير صنعاء والسيطرة عليها، وهي معقل الحوثيين والمنطقة الاستراتيجية، تسير كما هو مخطط لها. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الزيارة تعني نجاح سياسة «تقفيل المساحات» التي اتبعتها قوات التحالف على الحوثيين وحشرهم في أماكن معينة، والتي ازدادت مؤخراً وجعلت حركتهم شبه مقيدة في صنعاء ومأرب تحديداً. كما تعني أن أسلحة الحوثيين تكاد تكون قد دمرت بالكامل، وأن إمكانية تزويدهم بالسلاح تكاد تكون معدومة الآن، وبالتالي فإن تأثيرهم على الأرض أصبح شبه غائب. هذا هو الانطباع الأولي الذي يمكن أن يخرج به أي مراقب في تفسير الجولات الميدانية لقادة الشرعية في اليمن.
لكن الخطورة تكمن في محاولات بعض الأطراف الخارجية للتوسط من أجل إيقاف الحرب، مع إدراكها بأن الحوثيين يرفضون قرار مجلس الأمن رقم 2216 والخاص بالتخلي عن السلطة وتسليم المواقع التي يحتلونها. وبالتالي، وبدلاً من أن تكون المكاسب الميدانية لقوات التحالف فرصة لزيادة الضغط العربي ضد من تسببوا في هذه الحرب وضد من يدعم الميليشيات الخارجة على الشرعية في اليمن، نجد هناك من يحاول إيجاد مخرج سياسي لهذه الميليشيات، وكأن هناك تجاهلا متعمداً لما تفعله إيران في المنطقة، خاصة بعد الاتفاق النووي.
وبشكل عام فقد اعتادت إيران الاستفادة من اختلافات العرب في كيفية التعامل معها، ونجحت أكثر من مرة في اللعب على وتر عدم وجود موقف سياسي عربي موحد، وعملت بالتالي على توسيع التباينات العربية أملاً في توظيفها للتمدد في الداخل العربي. وفي هذه النقطة تحديداً، فإن البعض يرى أن مبدأ حفاظ بعض الدول العربية على علاقات متوازنة مع إيران المتنافرة مع أغلب العرب، يمثل إحراجاً لكل الأطراف، إذ قد يبدو للمراقب العربي أحياناً أن الكفة تميل لصالح إيران، وبالتالي فإن فكرة الحيادية تكون غير واضحة، خاصة حين يكون هناك تكتل سياسي وعسكري!
قد يفسر ذلك الوضع أنه عندما يتوفر موقف عربي حازم ضد إيران، فإنها تتراجع وتتخلى عن تغولها بلا جدال. كما يشير إلى أن القلق العربي من إيران ينبغي أن لا يرقى إلى أن يصبح حالة مرضية «فوبيا»، إذ لدى إيران من المشاكل الداخلية ما يعرقلها، ومن رفض شعبي إقليمي (المظاهرات في العراق ولبنان والمقاومة الشعبية في اليمن) ما يجعل مشاريعها السياسية فاشلة. لذلك فإن ما نحتاجه هو فقط معرفة كيفية إدارة أزماتنا معها.
مَن يدقق النظر في معدل تغيرات الأحداث في اليمن يجد أنها أخذت منحىً مغايراً بعد الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على قوات التحالف العربي وأدى إلى استشهاد 52 جندياً إماراتياً في سبتمبر الحالي. طبعاً هذا المنحى الجديد صدم السياسيين الإيرانيين قبل ممثليهم من الحوثيين، حيث كانت توقعاتهم أن استشهاد الجنود الإماراتيين سيؤدي إلى خلط الأوراق الاستراتيجية في الحرب والحصول على «صفقة سياسية» تحفظ لهم ماء الوجه، وليس كما اتجه مسار التطورات، وهو زيادة الضغط السياسي عليهم، مما أدى بطهران إلى اتباع أساليبها التقليدية لإشغال الرأي العام العالمي وذلك من خلال حادثة الجمرات في منى والتي راح ضحيتها أكثر من 700 حاج. كما أن ذلك المنحى الجديد أدى إلى عودة مفهوم الدولة اليمنية بمقومات فعلية أهمها حضور ممثل الشرعية السياسية، وهو الأمر الذي كان اليمن يحتاجه في هذا الوقت. كما أظهرت قلقاً حقيقياً من تجاوز التوازن الهش الذي تعودت إيران، من خلال ممثليها، على نسجه لإبقاء البلد العربي ضعيفاً، خاصة وقد بدأت لغة الطرف الشرعي تصبح اللغة الأعلى.
- عن جريدة الاتحاد الإماراتية