متولي محمود
من منجزات 21 سبتمبر "تفجير المساجد" بالمصلين. قبل هذا التاريخ الأسود، كان هناك تفجير للمساجد ودور القرآن؛ كان الحوثيون يفجرونها بالديناميت. أما الآن، فهم يفجرونها بواسطة السيارات المفخخة، والعبوات الناسفة، لوصم خصومهم بالإرهاب، والضحايا أبرياء.. أي أن الفرق يكمن في الطريقة والغرض فقط.
بتفخيخ المساجد ودور القرآن، يغازلون الغرب بمحاربتهم للإرهاب. وبزرع العبوات الناسفة، يريدون إيهام العالم بأنهم أقلية عرقية، وأنه يمارس ضدهم الإرهاب الديني. وهناك تناقض كبير بين الحالتين. فالأولى تشي بالقوة والجبروت، والثانية تشي بالضعف وقلة الحيلة.
كيف لمليشيا بقوة عسكرية مهولة، ابتلعت بالقوة العاصمة والمدن، كيف لها أن تستعطف العالم عبر الادعاء أنها أقلية دينية؟! قمة التناقض.
للعلم، ليس هناك في اليمن مساجد للسنة وأخرى للشيعة، ولم تعرف العاصمة أو أي مدينة أخرى تفجيرات مشابهة، منذ الأزل. لم تعرف العاصمة هذه التفجيرات الإرهابية إلا من بعد تاريخ 21 سبتمبر الأسود.
منذ زمن، يصلي الناس في مساجد العاصمة، وفيها الزيدي والشافعي، ولا خلاف. في 2009، كنت في العاصمة لعدة شهور. كنت أصلي كل جمعة في غير جامع. كم كان يعجبني أن أرى في الصفوف ضامين، وبجانبهم مسربلين، حتى أنني كنت أصلي أحيانا مسربلا، كرغبة مني، دون معرفة حتى ماذا يعني ذلك. إنه تجسيد للتعايُش، وتجسيد لسهولة ويُسر الدين، وأن اختلاف الطريقة لا يُفسد النية والقبول في باب الخالق.
ليس هناك اختلاف كبير بين طريقة الشوافع والزيديين في الصلاة والتعبّد، ولم تطفو على السطح منذ الأزل. فالتعايُش الجميل الذي حققه اليمنيون، بحكمتهم، منذ القدم، أذاب تلك الاختلافات وحجّمها حتى لا تكاد تذكر.
قرأت ذات مرة في "هافينجتون بوست" تقريرا طويلا حول نشأة الحوثية، حتى سيطرتها على العاصمة، وارتباطاتها بإيران. حيث نقلت الصحيفة عن رجل دين إيراني، أنه قال أنهم يختلفون تماما مع "الزيدية" وأنهم يعتبرونها ضربا من السنة، وأن تحالفهم سياسي ومؤقت حسب الصحيفة.
حتى شيعة العراق ولبنان يعيشون مع السنة منذ القدم، ولا توجد أية خلافات أو تفجيرات لدور العبادة. كلٌ يصلي ويتعبد على طريقته، ويكتفون بعلاقتهم الإنسانية، بعيدا عن المعتقدات الدينية. الجميع بلا استثناء يعرفون جيدا تاريخ أول تفجير افتتح مسلسل التفجيرات الطائفية، ومن كان خلفه.
"منذ زمن ونحن نعيشُ معا، نصادق بعضنا من دون معرفة إلى أي طائفة ينتمي بعضنا، وقد يمر بنا العمر من دون أن نعرف. وفينا الصهر وفينا النسب، وفينا المجورة والأُلفة."
(منتظر الزيدي- المشهور بقذف حذائه على جورج بوش، شيعي- في مداخلة على قناة الجزيرة.)
بعد 21 سبتمبر، صار هناك "تفجيرات للمساجد" وقتل للمصلين. صار هناك مساجد للشيعة وأخرى للسنة، تجذيرا للطائفية بطرق استخباراتية قبيحة وقودها الأبرياء.
من أحضر هذا الموت لأبناء اليمن، ومن أحضر هذا الوباء الفتاك الذي يحصد أرواح اليمنيين، ولن يشبع من دمائهم لعشرات العقود؟!
هذا الانقلاب أحضر لنا الشقاء والموت بأيدينا وأيدي الخلق. لن تزول هذه المحن عن وطننا إلا بزوال أسبابها!
أيها اليمنيون! أزيلوا أسباب هذا الداء لتنعموا (جميعكم) بالسلام والمحبة. هذا ما يمكن تحقيقه والحفاظ عليه "السلام والمحبة". نستطيع أن نكون سعداء في حال حققنا "التعايش" ؛ حتى وإن كانت بلادنا في قائمة الأشد فقرا في العالم.