حبيب العزي
وصول نائب الرئيس اليمني ورئيس الحكومة، السيد خالد بحّاح إلى مدينة عدن، نهاية الأسبوع المنصرم، برفقة سبعة من الوزراء في حكومته، كانت –رغم تأخرها- خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح، وأن تأتي متأخرا، خيرا من أن لا تأتي أبدا، وأول الغيث قطر ثم ينهمر.
مما لا شك فيه، أن عدن ستكون هي أول امتحان يواجه السيد بحّاح، منذ تعيينه في منصب نائب الرئيس قبل قرابة خمسة شهور، كما ستكون أيضا بمثابة المحك العملي، الذي من خلاله سيتحدّد مدى أهليته لنيل الثقة، كي يصبح رئيسا للجمهورية خلفا لهادي، في الاستحقاق القادم لهذا المنصب، كما هو متوقع.
ملفات كثيرة وقضايا متعددة، كما أن أوضاعا ميدانية غاية في السوء والتعقيد معا، تشكل بمجملها امتحانا صعبا، سيتوجب عليه اجتيازه بكل كفاءة واقتدار، بل لربما كان هو الاختبار الأصعب في تاريخه السياسي، الذي لا زال –إلى حد ما- يافعا، وفي طور الاستشراف والتطلع للمستقبل، الأمر الذي سيتطلب منه التعاطي مع العديد من تلك الملفات الشائكة، ببرجماتية عالية، وحذق سياسي، تقتضيه طبيعة المرحلة، وحساسية اللحظة التي تمر بها اليمن.
لعل أول تلك الملفات الشائكة، هي العلاقة المتوترة بينه وبين الرئيس هادي، التي لم تعد تخفى على أحد، ومع أنها لا تبرز كثيرا إلى العلن، إلاّ أنها ساخنة ومشتعلة داخل الغرف المغلقة، ورائحتها تفوح إلى خارج تلك الغرف بين الحين والآخر، والتي كان منشؤها أن هادي لم يكن يرغب بتعيين نائبا له أصلا، لكنه فعل ذلك من باب "مكره أخاك"، ومعلوم أن مثل تلك الخلافات، تنحدر في غالب الأحيان إلى مستوى "مماحكات صبيانية"، فتؤثر سلبا على مسار القرارات التي يتخذها كليهما، وكذا حدود وصلاحيات أيٍ منهم.
ويعدّ ملف الفوضى الأمنية، وإعادة هيبة الدولة المفقودة، هو امتحان كبير وحده، وعلى درجة عالية من الأهمية، حيث اختلط فيه المقاوم مع من يثير الفوضى والشغب، ويعتدي على الممتلكات العامة والخاصة، وقد ظهرت مجموعات مسلحة، تعطي لنفسها الحق في فرز المواطنين على أساس الجغرافيا الضيقة "شمالي - جنوبي"، مستغلة بذلك حالة الفراغ الأمني، وغياب الدولة بكل مؤسساتها، وهو ما يسيء لقضية الجنوب العادلة أولا، التي كان قد اتفق كل اليمنيون وأجمعوا عليها في مؤتمر الحوار الوطني، ولعلّ التظاهرة الصبيانية، التي قام بها بعض المراهقين سياسيا، من المحسوبين على "الحراكيش"، حين خرجوا للمطالبة بطرد الوزراء الشماليين، الذين قدِموا إلى عدن برفقة نائب الرئيس، خير شاهد على ذلك.
من الملفات الملحة أيضا، التي تشكل تحديا قويا لنائب الرئيس، هي مدى مقدرته على المواءمة بين إدارة كل الملفات الشائكة المتعلقة بمدينة عدن وحدها، باعتبارها باتت تشكل نواة للدولة الجديدة ومنطلقا لها في اللحظة الراهنة، وبذات الوقت إدارة كامل البلد تحت ظروف الحرب، التي تعني بالضرورة إدارة العمليات الحربية ذاتها، من أجل تحرير باقي المناطق والمحافظات، التي لاتزال تحتلها المليشيا.
بالمحصلة.. السيّد بحّاح يخوض اليوم امتحانا صعبا للغاية، وليس من سبيل أمامه سوى اجتيازه، كما أنّ مهمته الحالية أو القادمة أيضا، ليست بالسهلة أو الهيِّنة، وما لم يدرك خيوط اللعبة تماما، ويستطيع جمعها بكلتا يدية، ثم يحيك منها ثوب اليمن الجديد، بالشكل الذي يتمناه ويريده كل اليمنيين بعد كل هذه التضحيات، فسيصبح أشبه بالراقع حين يتسع الخرق عليه، وساعتها سيعود باليمنيين كما بذاته هو إلى مربع الصفر.