محمد الرميحي
على الرغم من التصعيد الدائم والدم العزيز المراق في اليمن، تبقى الإجابة عن هذا السؤال قضية مهمة، وهو: هل يهم الخليجيين من يحكم اليمن؟ كان زيديا أو شافعيا، أو كان صنعانيا أو عدنيا؟ الإجابة عن هذا السؤال في اجتهادي «لا»، وهي «لا» كبيرة. ليس مهمًا من يحكم اليمن من وجهة نظر دول الخليج، في حال توافق اليمنيون على طريقة لحكمهم، المهم أن لا يُحكم اليمن من طهران! ذلك خط أحمر للخليج وللعرب، سوف يجاهد الجميع بما أوتوا من قدرة على الصعيد المادي والمعنوي لمنع ذلك من الحدوث. الحرب الدائرة هي لمنع شرين في نفس الوقت؛ توليد حزب الله يمني، أو «داعش» يمنية (كلاهما حزب قوي في دولة هشة)، وكلاهما سبب لوجود الآخر. وكلما كانت تلك الحقيقة قريبة إلى الفريق الراغب في اختطاف الدولة اليمنية (الحوثي وصالح)، قربنا إلى الحل. فالحرب الدائرة هي من أجل هدف واحد، تمكين اليمنيين من حكم أنفسهم، وعدم خروج اليمن من جلدته العربية. بقية الأمور تفاصيل ترغب الماكينة الإعلامية المضادة أن تروّج لها وتشوش على مقاصدها، من أجل تبخيس الجهد العربي أو إضعافه، وهو ترويج أجادته ماكينة من خرج من العروبة في بعض عواصمنا ليلتحق، تحت شعارات مختلفة، بولاية الفقيه في طهران! الشيعة العرب وهم شيعة الأوطان، ليسوا في وارد الاقتناع بأن هناك قوى تريد تهميشهم في أوطانهم لا سمح الله، المعني بذلك هم شيعة «بيع الأوطان» الذي يؤجرون أنفسهم إلى طهران تحت شعارات مختلفة وليس خافيًا على أحد مَن هم. المشروع الإيراني كما ظهر جليًا في السنوات القليلة الأخيرة هو الحصول على ولاءات تحت شعارات طائفية (الدفاع عن الشيعة)، أو شعارات اقتصادية (الدفاع عن المستضعفين)، لإيجاد موطئ قدم لنفوذهم، واستخدام ذلك النفوذ وتلك القوى من أجل الدفع بمصالح إيران كما تفهمها طهران. كما فعلوا في إقحام حزب الله في سوريا للمساعدة في قتل المواطنين السوريين، كانوا يرمون من خلال «الحوثي» إلى خلق جيب لهم في جنوب جزيرة العرب، يتسلح بقوة نيران مقرونة بانتهازية سياسية من بعض السياسيين اليمنيين (جماعة على صالح) لخلق ذلك الجيب، ومن ثم إطلاقه في وجه أبناء الخليج الأقرب. الشعوذة السياسية الإيرانية أصبحت مكشوفة للنخب اليمنية، فكل الضجيج الذي قامت به إيران في سنوات طويلة تجاه تخليص فلسطين ورفع راية المقاومة للدفاع عن القضية لم يحرر شبرًا واحدًا من فلسطين، وكل العواصم التي وقعت تحت طائلة ونفوذ طهران وصلت إلى الخراب، فأي مشروع تحتفظ به طهران لليمن!! أحتفظ في مذكراتي برحلة إلى اليمن قمنا بها مع أربعة من الزملاء في الكويت بين 7 يوليو (تموز) و11 منه عام 1997، كان اليمن وقتها في تصنيف «دول الضد» بالنسبة إلى الكويت، إذ وقفت رسميا مع صدام حسين، وبررت احتلال الكويت، كان الرأي أنه يجب فتح حوار شعبي مع أهلنا في اليمن لكسر حاجز استخدام حكام اليمن الموقف وقتها لمصالحهم الضيقة ودق إسفين عداء بين عروبة واحدة، ما فعلوه يخصهم لا يخص الشعب اليمني. سجلت الحوارات مع الشخصيات الذين التقينا بهم، في عادة ملازمة لي حتى لا تضيع الأفكار أو الأحداث. عدت لما سجلت في ذلك الوقت، فوجدت تعبيرات قيلت للمجموعة من يمنيين عرب أقحاح، منها «حكام دون سن الرشد»، وهي إشارة من معارض يمني عربي إلى ما قام به نظام صالح وقتها من موقف مضاد لقصور في الفهم أن الكويت قد انتهت كدولة بعد الاحتلال، لم تكن المبادئ هنا مهمة، ولا حتى الصرح الكبير الذي اسمه «جامعة صنعاء» الذي يراه كل صنعاني يوميا، والتي مولت البناء والتجهيز والأساتذة من الكويت العربية، بقادر على لجم شهية الأحقاد الصغيرة، أو التذكير بعروبة صالحة، لقد فضل نظام علي صالح «العروبة المتوحشة»! كانت الجامعة وقتها تضم مائة ألف طالب وطالبة تقريبًا. استقبلنا الصديق عبد العزيز المقالح المثقف اليمنى الذي قال لنا: «أنتم السطر الأول في الصفحة الجديدة بين اليمن والكويت، فلا تستوي الحسنة والسيئة، لقد دفعتم بمجيئكم بالتي هي أحسن»! حقيقة الأمر أن هذه الروحية وجدناها في معظم من التقينا بهم وقتها في الأيام الخمسة الصنعانية، كنا على يقين أن عزل اليمن واتباع سياسة حكام في ما قبل مرحلة النضج، مضر بعروبة اليمن وبعروبة الخليج على السواء، سمعنا وقتها أن كثيرين يجاملون السلطة خوفا أو رجاء، وهو مرض ليس يمني فقط، بل وعربي أيضا، ولكنْ هناك هامش من الشجاعة التي تجعل البعض من المستنيرين ينفكون عن تلك المجاملة القاتلة. استمعنا هناك إلى الحكمة اليمنية، قال أحد الجالسين في مقيل الشيخ عبد الله الأحمر (رحمه الله): «لا يقول السياسي الحقيقة إلا إذا تيقن أن ليس له مستقبل في السياسة»! علاقة اليمن بالخليج كانت علاقة مميزة، واحدة من مساوئ السياسة اليمنية، بعد احتلال الكويت وبعد الحراك الشعبي اليمني الأخير، ان ترك على الأقل مليون يمني يعمل في الخليج موارد دخلهم، ودخل عائلاتهم. سرعان ما عادت الأمور إلى نصابها، إلا أن تلك العلاقة اليوم تبنى على شكل آخر، بعد عاصفة الحزم، تبنى العلاقة على التشارك في الدم، وهو أكبر قيمة من أي قيم أخرى. كانت أجواء السنوات الخمس الأخيرة من القرن العشرين أجواء شقاق عربي كبير، وكان اليمن الرسمي يقول إنهم ليسوا ضد «تحرير الكويت» ولكنهم فقط مع الاعتماد على «حل عربي» دون تدخل لقوى عظمى. طبعا كانت تلك الحجة واهية وقتها، إنما تدور الأيام وتتناقص قدرة أو رغبة الدول الكبرى في الغوص في قضايا الشرق الأوسط، ويصبح اليمن اليوم في إطار «الحل العربي» الذي لا حل غيره! وهو حل ليس من أجل أية أهداف غير الهدف المعلن، إبعاد صنعاء عن الدوران في فلك طهران من خلال استخدام فريق يمني القوة المسلحة لإرهاب الأغلبية. لا يخلو اليمن أيضًا من «نكات سوداء» برر لنا السيد الإيراني وقتها موقف اليمن ضد الكويت أنه بسبب ما عرفوه من أن «اليمن أيضًا مستهدف، كما العراق» طبعا لم يبتسم أحد لتلك «النكتة»! لم يعد اليمن هو يمن عام 1961 ولا حتى يمن 1990، يمن اليوم فيه شعب شب عن الطوق ويتوق إلى بناء دولة حديثة، عاصفة الحزم تحقق ذلك الحلم، وليحكم اليمنيون أنفسهم، فلا أحد يهتم كثيرا بمن يحكم اليمن ما دام ذلك يؤمن عروبته. آخر الكلام بيت شعر جميل سمعته في إحدى جلسات صيف صنعاء عام 1997 الممطر يقول: أطع الحليم إذا الحليم عصاك إن الحليم إذا عصاك هداك
/نقلا عن الشرق الأوسط/