سعيد النظامي
صعده هي البداية لنهاية الحوثيين، ومنها تتكون الحقيقة لمرحلة تحرير اليمن من عشاق المتاعب هؤلاء. وربما تكون أول مهمة جادة للتحالف، وآخر رحلة يقوم بها اليمنيون، إذا أرادو دولة المستقبل والقانون، فعليهم توجيه أنظارهم إلى هناك أولا، لربط جسر التلاحم الاجتماعي المقطوعة أوصاله بينهم وبين أبناء هذه المحافظة، مثل الكهرباء الموصولة أسلاكها إلى كل منزل، والإنارة هي الشموع، فمنذ حرب الثورة ضد الإمامه إلى نهاية عهد علي عبدالله صالح الذي رسخ لهذه الخاصية دعائم بطرق فعالة وعملية لخدمة مصالحه، والتي مرت عليها عقود، والشعب اليمني لا يعلم شيئاً عن بعضه، فقد كان عفاش اليمن حريصاً على بقاء جسر من الكراهية مربوطاً باسلوب عنصري وخفي، يظهر في كل جانب من الوطن، بشكل لا يتناسق مع الآخر، وبقى كمن يفرز للشعب سموماً للموت البطيء، ينشر فيه الشائعات، هنا وهناك، وكلٌّ يعطيه بحسب تقبله مكره.
يحتاج المواطن اليمني في محافظة صعده، ليستطيع تشكيل نقطة بداية بينه وبين ما يجري في المحافظات الأخرى، ومنه ينشئ فرعاً للمقاومة في قعر داره، يحتاج لمن يستعيد ثقته التي فقدها بكل أبناء الشعب اليمني الذي تركوه بجهالة وتعتيم الإعلام يصارع الحوثيين سنوات وحيداً. وهذا تنفيذا لأوامر القيادة السياسية التي أظهرت في حينه لليمنيين صعده محافظة مارقة وخارجة عن السيطرة، وكان المواطنون هناك يرفضون أفكار الحوثي مؤسس حركة أنصار الله من الوهلة الأولى. وكان تمدده يشكل لهم هاجس يوقظ القبيلة لمحاربته، لكنهم كلما بدأوا حربهم معه، تقاعس المواطن اليمني في المحافظات الأخرى عن الالتحام ومشاركته. وهذه من أهم نقاط صمتهم الآن عما يجري في تعز وعدن وبقية المحافظات التي يتعرض سكانها لتنكيل وسطو وتهجير جماعي، وهي من جعلت الحوثي أيضا يحكم سيطرته على كل المديريات في هذه المحافظة الرافضة استعداء العالم واستدعاء الحرب، بشن العداء ضد الشعب والجيران. ومعنى التقاعس لم يكن لأسباب غياب النزعه الوطنية عن الشعب.
ولكن، كما استطاع علي عبدالله صالح أن يفصل المحافظات عن بعضها، ويغيب خلاصة الأحداث عن المواطنين لكل ما جرى فيها، ها هم سادة الموقف وأبطال المقاومة يكررون الغلطة نفسها، بجعلهم هؤلاء المواطنين خارج القضية، وعدم استدعائهم إلى حلبة المشكلة ممن سيعيد تصنيعها كلما انطفأ لهيب نيرانها.
لأن الانقطاع الفكري والاتصال الثقافي بين أبناء الشعب اليمني سبب رئيسي لعدم اندماج الرؤى بينهم لرؤية طريق سديد لدولتهم، ولأن المنتفعين من هذا الانفراط هم قادة الحروب وعشاق المناصب الذين يشعلون حروبهم بحسب حاجتهم، وكلما ضاقت عليهم حشدوا المزيد، فقد أدركت هذا التباعد بيننا، كشعب واحد قريباً، عندما توقفت بجانب سائق شاحنة نصف نقل، وجدته يعارك بطارية سيارته، وكلما حاول تشغيل المحرك قرع شرار الرفض من البطارية. من دون نداء، اقتربت منه، محاولا تقديم المساعدة، فرفضها بأسلوب ليس قريباً من التوحش، لكنه حاول إظهاره كذلك، وبقى وحيداً على الرغم من حاجته لمن يمسك في أثناء تشغليه آذن البطارية التي أهلكها الكربون، كما خذلته محال قطع الغيار، وظل يكابر ويعاركها، ولأن أبناء المناطق الساحلية ربما لا يعرضون خدماتهم لمن لا يطلبها منهم، فكانوا يمروا من جانبه من دون اكتراث بما يفعله. ولم أشعر بحرج، لإجباره على قبول مساعدتي، حيث تقدمت إليه مرة أخرى، وطلبت منه قبول عرضي بكلمات فكاهية، حتى تقبل وجودي، فأمسك هو اصبع البطارية. ولثوان، كنت قد أدرت المحرك، وانتهى تعجبي من معاناته، حين رأيت بعينيه اعتذاراً يريد إيصاله.
/نقلا عن العربي الجديد/