عبد الواسع الفاتكي
تعيش المنطقة العربية فترة غاية في الصعوبة، ملتهبة بنيران الحروب الداخلية، متسمة بمتغيرات حادة، من خلال تحالفات قديمة متجددة بتجدد الصراعات والمأمول منها ، أفضت إلى أن تبرز للسطح دول عربية فاشلة، وإن بدت ذات رمزية دولية، لكن دستور تلك الدول وقوانينها لم تعد تحكم وتسيطر على مقوماتها وقدراتها الجيوسياسية، والتي أضحت وقودا لحروب جيوعسكرية أنتجت سلطات مليشياوية في العراق وسورية وليبيا، وأخيراً في اليمن، معترف بها من الأمم المتحدة واللاعبين الكبار في مسرح الصراع ؛ لما تمنحهم تلك المليشيات من عوائد سياسية واقتصادية، لن يجدوها باستقرار المنطقة.
انهارت عوامل التوازن للخليج العربي في نسقه الحيوي التي تحقق الردع والوقاية المطلوبة، لاسيما وأن الخليج العربي بات في مرحلة صعبة وحرجة، متعلقة بهشاشة الوضع الأمني المتاخم لحدوده السياسية، خصوصاً بعد انهيار الدول المحاذية للخليج، كالعراق وسورية واليمن، وظهور حركات مسلحة لاوطنية، ناهيك عن أنها ليست عربية التوجه والولاء، مختلفة من حيث الأيدولوجيا والأداء الحربي، تمثل جيوش ظل لإيران، وتشكل تهديداً خطيراً لأمن الخليج العربي، في ظل صراع دولي كبير على المنطقة، دفع إيران ومخالبها المسلحة في العراق وسورية واليمن ولبنان لتكون نواته الأساسية؛ إذ عملت طهران على زرع بذور الفتنة والاحتراب الطائفي في المجتمعات العربية، مستعملة التشيع السياسي المسلح، والغريب أن إيران في تنفيذ أجندتها الفارسية، وإيجاد ميادين الصراع المذهبي الطائفي استخدمت المخزون البشري العربي؛ ما أهدر الموارد البشرية والمالية للشعوب العربية، وزعزع أمنها واستقرارها. والمضحك أن ذلك كله يحدث تحت شعار المقاومة والممانعة، من دون أن يسقط جندي إيراني واحد على حدود فلسطين، بينما نجد من العرب ملايين الضحايا بأيدي إيرانية، سواء عبر الحرس الثوري العابر لحدود الدول العربية، أو عبر أذرعه من التنظيمات الإرهابية، المرتبطة به.
تمكنت إيران من ملء الفراغ العربي، والتمدد بدموية قل أن نجد نظيراً لها، واستطاعت ابتلاع دول عربية بموافقة وارتياح غربيين، وتقديم نفسها لاعباً محورياً ومؤثراً، جعلها تتأهل وبجدارة لمنصب شرطي المنطقة، وهذا يمنحنا تصوراً أن إيران عازمة على استكمال مشروع تمزيق المنطقة العربية، وخصوصاً بعد تفريط العرب بمقومات الدفاع وعوامل التصدي، والذي دشن بغزو أميركا العراق وتسليمه لطهران على طبق من ذهب؛ ليدخل العرب حقبة انزلاقهم في حروب طائفية، تستنزف المجتمعات، وتبدد الطاقات، وتقضي على منظومة القيم، وتستبدل الثوابت الوطنية بالهويات الفرعية والنظام السياسي المرتكز على نظام الدولة بسلطة الطائفة.
إذا كانت لأميركا بصماتها الواضحة في توغل النفوذ الإيراني في جوارها العربي، فإن روسيا كان لها أيضا دور بارز في هذا التوغل، تجلت ملامح ثماره في إعادة وصول الدب الروسي بقوة إلى المنطقة، من خلال عقود شراء الأسلحة والتقنية العسكرية الروسية التي أبرمتها دول خليجية مع موسكو. تضاف إلى ذلك عودة دول أخرى إلى شراء السلاح الروسي، بعد انقطاع طويل، مثل سلطنة عمان، ما ينذر بأن تشهد المنطقة تنافسا محموما يبقي على الصراع، ليجعلها سوقا مفتوحة لتجارة السلاح.
علينا أن ننزع الشوك بأيدينا، وأن نعتمد على أنفسنا، ونستنفر كل إمكاناتنا، ونحشد مواردنا؛ لمغادرة مربع العجز وامتلاك إرادة إدارة الصراع مع ملالي طهران، بحنكة ومسؤولية؛ ومواجهة اختراق الأمن القومي العربي والغزو الطائفي العسكري بخارطة طريق عربية، ذات استراتيجيات بناءة وعقلنة سياسية ومعالجات واقعية وإرادة رسمية وشعبية متينة، توقف كل هذا النزيف، وتحافظ على الوجود العربي، وتنقذه من الفوضى الشاملة التي تهدد الكل بلا استثناء.