مأرب الورد
لم يعد أحد يكترث للحل السياسي إلا المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ الذي يلهث وراء ترقية أممية على حسابنا كحال سلفه وبعده يأتي تحالف الانقلابيين الذين وإن لم يجاهروا بذلك علانية لكن قلوبهم تتمناه وألسنتهم تلهج بالدعاء لتقريبه ليكون لهم مخرجا آمنا وحافظا لماء الوجه بعد فشل رهاناتهم على القوة لإخضاع الشعب. الحديث الآن عن حل سياسي كمن يسعى لوأد الحسم وإنقاذ الانقلابيين ليس إلا. يبدو صاحبه كمن يغرد خارج السرب إن أحسنا الظن فيه أما إن تأملنا في مضمون وتوقيت دعواته فهي لا تعدو كونها حبلا لإنقاذ الغريق لا الوطن الجريح أو الشعب المكلوم المظلوم.
هذا الأمر كان مقبولا ومنطقيا لو أنه جاء قبل تغير الأوضاع على الأرض وانكسار الانقلابيين الذين انقلبوا ابتداء على التسوية والتوافق وظلوا على حالهم واثقين بوهم الانتصار وقوة السلاح قبل أن تتبخر أحلامهم وتفشل خياراتهم إثر اشتداد عود المقاومة وتنامي قوتها وتزايد انتصاراتها وتقدمها في أكثر من مدينة بدعم من التحالف العربي.
لا جدوى من دعوة لإحياء مسار سياسي مع كل تحرير مدينة أو انتزاع مساحة للسلطة الشرعية ولا تعويل على مبادرات للحوار ظاهرها تقليل كلفة استعادة الدولة وتداعيات الحرب وباطنها الحقيقي العمل على تحقيق شروط وأهداف الحلف الانقلابي الذي عجز عن فرض ما يريد بقوة الأمر الواقع.
من يرفضون الحل السياسي في الوقت الراهن يستندون لمبررات منطقية تتمثل بعدم امتثال الانقلابيين لقرار مجلس الأمن (2216). فضلا عن أن مضمون هذا الحل المطروح لا يلتزم بنص هذا القرار باعتباره أحد مرجعيات التسوية المعروفة والأسوأ من هذا كله أنه يسعى للتحايل عليه.
هذا التحايل المفضوح يتجلى فيما تم تسريبه بوسائل الإعلام على أنها مبادرة من عشر نقاط للمبعوث الأممي رفضها الرئيس هادي وحكومته واعتبروها تحايلا واضحا على القرار الدولي بخلاف توقيتها الذي لا يمكن تفسيره إلا بأنه محاولة إنقاذ للانقلابيين مثلما دأب ولد الشيخ على الظهور للحديث عن الحل السياسي عقب كل تقدم لصالح المقاومة والشرعية.
تتحدث المبادرة المسربة عن استعداد (وليس قبول) للحوثيين وحليفهم صالح للتعاطي الإيجابي مع القرار الدولي مع أنه ملزم لهم بدون أي مساومات أو لف ودوران وكذا تطرح فكرة الانسحاب من المدن وليس المحافظات والفرق كبير جدا، إذ في الأولى نتحدث عن عواصم أو مراكز المحافظات فقط وهنا يتجلى التحايل بأبشع صوره.
أما في الثانية فتعني الانسحاب من عواصم المحافظات ومديرياتها بل وحتى الأرياف إن كانوا متواجدين بها وهم من خارجها وهذا هو مضمون قرار مجلس الأمن.
وعلى هذا المنوال من التحايل يؤجل ولد الشيخ بمبادرته مطلب تسليم الأسلحة المنهوبة من التزام مقترن بالانسحاب من المدن إلى تأخيره لآخر مبادرته وكأنه مطلب هامشي بل ويتناوله على استحياء ويقرن دعوته بتسليم جميع أسلحة الجماعات مع أن لا أحد يمتلك أسلحة ثقيلة من مدافع وصواريخ ودبابات ومدرعات وغيرها إلا الحوثيين وحليفهم كونهم الجهة التي استولت على مقدرات الجيش ونهبت مخازنه.
الأخطر من هذا كله أن مبادرة ولد الشيخ تشخص المشكلة في اليمن وكأنها صراع مع الإرهاب وهذا لا يعني نكران وجوده لكنه ليس بتلك الصورة التي يضخمها هذا المبعوث وتمثل أحد تداعيات غياب الدولة وليس صراعا بين فئة انقلابية وأخرى تريد استعادة الدولة.
ولد الشيخ يطرح بندا ملزما بمحاربة تنظيم الدولة (وهذا ليس موجودا إلا اسما إعلاميا) وتنظيم القاعدة مع أن هذا وظيفة الدولة بعد استعادتها ولا يحتاج لإدراجه ضمن أي تسوية. غير أن ما يريده ليس محاربة هذه التنظيمات وتخليص اليمن منها وإنما تبني وتسويق ما يروجه الحوثيون لتبرير انقلابهم واجتياح المدن بأنهم يحاربون الإرهاب.
وبالتالي يتحولون من متمردين وانقلابيين على الشرعية ومدانين بارتكاب جرائم وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان إلى جماعة ملائكية حائزة على شهادة دولية على سيرتها وسلوكها كما تم تكريم داعمتها إيران باتفاق النووي.
لكن الواقع يقول إن المقاومة حررت الجنوب واقتربت من تحرير محافظات الوسط ولم يعد أمام الانقلابيين إلا انتظار ساعة الصفر بصنعاء وما حولها من المدن ولن يطول الوقت كثيرا في ظل سير الأمور كما يجب.