حبيب العزي
كُلنا مُجمعون، بداية، على أن الطريقة التي تم بها قتل وصلب "ما قِيل إنه قنَّاص حوثي"، والتي تمَّ تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بشعة وإجرامية، ندينها بشدة، وهي لا تقل بشاعة عن ممارسات المليشيات الحوثية وتنظيم داعش، ولا تمت للمقاومة بأي صلة، بحسب البيان الصادر عن المجلس التنسيقي للمقاومة الشعبية في تعز، الذي دان فيه مثل تلك الأحداث، ووصفها بالإجرامية، والتي قال إن من تنفذها مجموعات مندسة أو خلايا نائمة، تابعة لتحالف صالح والحوثي الانقلابي، ووعد بملاحقة مرتكبيها، بالتنسيق مع المجلس العسكري وإدارة الأمن الشرعية.
أمَا وقد أصدر مجلس المقاومة ذلك البيان، ووعد بإجراءات عملية في ملاحقة الجُناة، فما الداعي إذاً لكل ذاك الصخَب الزائد، والضجيج "المُفتَعل" حول الموضوع، والذي لا أجد له مبرراً، سوى أنه يعكس حالة التوتر والقلق التي يعيشها أولئكم القوم الذين يَعْمَدون إلى الاصطياد في الماء العكر، لعدم رضاهم عن المشهد السياسي والأمني، الذي أفرزته المرحلة الجديدة، بعد انتصار المقاومة، والذي يرون أنه لا يتناغم مع أجنداتهم السياسية، وتوجهاتهم الفكرية، داخل مدينة تعز، أو في كامل اليمن، بسبب تصدر المقاومة ورموزها المشهد الجديد.
بعبارة أخرى أكثر وضوحاً وصراحة، يبدو الهدف الحقيقي من كل ذاك الضجيج، بتقديري، محاولة للقول، وبنوع من التعريض، إن هناك فصيل داخل المقاومة، يمثل التيار المتشدد للإسلاميين، وينطلق، في عدائه وحربه مع الحوثيين، من منطلقات طائفية، لاعتبارات مذهبهم "الشيعي"، وبالتالي، من غير المستبعد أبداً، أن يكون هذا الفصيل، هو من يقوم بمثل تلك الممارسات البشعة، ويعد هذا التعريض، بحد ذاته، اتهاماً خطيراً، فإما أن يكونوا قادرين على الإتيان بالأدلة القطعية التي تثبت صحة ادعاءاتهم تلك، أو إنهم بذلك قد ساهموا بإذكاء نار الفتنة بين أبناء المحافظة، والفتنة أشد من القتل.
من جهة أخرى، لماذا لم نرَ تلك الأصوات تتعالى بالحدَّة والضجيج نفسيهما، عندما كان القنَّاصة يعتلون أسطح المباني المرتفعة، ويقتلون العشرات كل يوم من أبناء المحافظة. ألأنَّ أغلبهم كان من أبناء المقاومة، وبالتالي، دماؤهم مستباحة، أم لأن أولئك القوم لا يجيدون سوى الحديث من الأبراج العاج، ولم يُكلفوا أنفسهم عناء النزول إلى المستشفيات الميدانية، التي تعجُّ بمئات من الجرحى والمصابين، ليشاهدوا بأم أعينهم بشاعة تلك المناظر، لأطفال ونساء وشيوخ تعز، جراء الانتهاكات البربرية التي ظلت تمارسها عليهم مليشيا الحقد الطائفي، في الخمسة شهور الماضية.
قلناها مراراً وتكراراً، يا أيها القوم، مقاومة الظلم والاستبداد والتخلف، ومقارعة الطُّغاة ومليشيا الحقد العنصري والطائفي، لا تكون عبر منشورات "فيسبوك" و"تويتر" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، كما لا تكون بالتنظير على شاشات القنوات الفضائية، وداخل الاستديوهات المكيفة، وإنما تكون في الميدان، فإن كنتم موجودين مع المقاومة في الميدان، كما تقولون أنتم، فكيف سمحتم إذاً لمثل هذه الجريمة أن تمُر؟ وأين كنتم ساعة ارتكابها؟
وإن لم تكونوا كذلك، فلتصمتوا ... و"هجِّعُونا الضجَّة".