جمال الظاهري
متى سيؤمن قادتنا بهذا الشعب, ومتى سيولون أنظارهم تجاه ثروات وخيرات وطنهم؟ لا يزال كبار القوم يمعنون في الاستخفاف بما حدث خلال الأربع السنوات الماضية, ما زالت أعينهم مصوبة إلى جيوب أشقائهم الخليجيين والدول الغربية ومنظماتها!
لاتزال نرجسيتهم ممعنة بتجاهل واقعنا, ومحيطنا, وما يعتمل فيه من أحداث وما يدبر لمستقبل المنطقة. جميع نشاطاتهم وما يصدر عنهم معلق برضا ومباركة الخارج, حتى الأحداث الجسام التي تدك كل مدن وحواضر اليمن الرئيسية لا يرونها, ولا نسمع منهم تصريحاً, أو نلمس منهم إجراء واقعياً لمواجهة ما نتعرض له من أعمال وحشية وتدمير وفساد ينخر كل أجهزة الدولة.
قامت ثورات وحصلت أحداث جسام في اغلب بلدان المنطقة العربية, نتجت عنها أوضاع جديدة ومعالجات وإجراءات قوية في عدد من الدول “الربيعية” وغيرها من تلك الدول التي تأثرت بها, أو خافت من أن يكون مصيرها مشابه لها, جميع هذه الدول انتبهت واستعدت لمقاومة تمزيق نسيجها الاجتماعي وتفتيت أراضيها, فيما اليمن ذهب في اتجاه مغاير, ذهب إلى توسيع الشق بين مكوناته وعمل بدعم أطراف خارجية على التأسيس للمزيد من التفتيت والتشظي عبر تبني مشروع الفيدرالية.
تغيرت أنظمة واتت أخرى, أعيد رسم سياسات وتحالفات وأهداف مستقبلية في اغلب محيطنا العربي, وعدلت دساتير وانتخبت مجالس نيابية من قبل الشعوب فيما نحن حتى الآن لم نخرج بمسودة دستور… ذهب فقهاؤنا القانونيون ومفكرونا الاجتماعيون أدراج الرياح, فغادرت أوراق دستورنا بيضاء إلى ألمانيا وفرنسا ويعلم الله إلى أي جهة أخرى تبحث عمن يسودها ببعض النصوص التي تحكمنا!
انتهى مؤتمر الحوار الذي سمي وطنياً وبدأ الناس يتساءلون عن معنى الوطنية ودلالاتها, وهل حدث في اللغة العربية أمر لا يعرفونه حتى التبس عليهم مفهوم الوطنية وما عادوا يعرفونه, أم أن ما تعلموه عن الوطنية كان مغلوطاً؟
نسفنا ماضينا ونضال أبائنا وثوراتهم نسفاً, وأنكرنا كل ما تغنينا به من حب ومن تلاحم واتحاد بجرة قلم, على أساس أننا نصحح فكانت النتيجة والواقع ينتقل من الهمس إلى الصراخ قائلاً: إنكم تدمرون, تخربون لا تبنون, تتفرقون لا تتحدون!
الأكثر إدهاشاً في الأمر أن رجال الدولة وساستنا لا يزالون يراهنون ويستجدون الخارج, يراهنون على دستور ممول خارجيا وعلى فيدرالية هم أول من يقر بأنها لا تناسبنا, وإن أقرت فإن وضعنا لا يسمح بتنفيذها, وإن سمح بتنفيذها ليس بمقدورنا دفع كلفتها! يراهنون على الجيران فيما أولئك قد نفضوا أيديهم وولونا أدبارهم, بل ويعتبروننا خطرا مستقبليا يتهددهم!
يراهنون على المتغيرات فيما هم لا يعرفون كيف يضعون أقدامهم في مفاعيل هذه المتغيرات الإقليمية فما بالك بالعالمية؟ ليس لديهم حتى اليوم مشروع وطني, أو حتى رؤية واقعية ولو بسيطة, ينتظرون لماذا؟ للسماء أم للمانحين أم لنتائج المتغيرات التي يصنعها الآخرون, إنها أماني إبليس في الجنة, عشم المقعد الماد يده طمعاً الى ما في أيدي من يمر به ويرثي لحالته.
واقعنا اليمني يتغير كل يوم وتتغير فيه الأوزان والأطراف الفاعلة كل ساعة, فيما هؤلاء الساسة ورجال الدولة خارج التغطية وبعيدون عن الواقع, وكأن بينهم وبين شعبهم حجبا سوداء لا تسمح بنفاذ ذرة هواء إليهم!
لاتزال أحزابنا وقادتها الخرافيون سواء في “المشترك” أو في “المؤتمر” والمتحالفين معه يصرون على مواصلة الكيد وزرع الأشواك والانحدار في سهل الحوار, والشماتة والتشويه لكل ما آمنا به وسعينا إلى تحقيقه.
في العام 2011 وما تلاه من أحداث, وما نتجت عنه من تسوية, هلل لنا العالم وبارك, ووقف منبهراً بحنكة وحكمة اليمنيين, معتقداً أنهم سيؤسسون لتجربة فريدة يمكن أن يستلهم غيرهم منها الدروس والعبر, ومعتبرين ذلك معجزة محمودة لقادة اليمن, لكن راجعوا معي حالنا اليوم, الكل تخلى عنا وجميعهم بدا مستخفاً وهازئا بقدراتنا الكل تراجع عما قاله فينا وعما وعد به, وأكثرهم وفاء بكلمته يتشرط علينا ويدعونا إلى إصلاح أنفسنا كي يمد إلينا يده.
كاتب يمني
[email protected]