باسم العبسي
إبادة جماعية بلا استثناء تشهدها مدينتي، جرائم فاقت كل الجرائم البربرية. الجميع يتألم، النساء تبحث عن بقايا أشلاء صغارها هنا وهناك، الأطفال ممن سلموا من القذائف يتحسسون جثث أمهاتهم التي لفظت أنفاسها الأخيرة أمام أعينهم.
الغزاة يقصفون المنازل، المستشفيات، المدارس، حتى الشوارع التي كنا نسير عليها، ويقنصون الأهالي، ويعتقلون الأبناء ويرعبون الأطفال ليل نهار، ويريدون أن يقنعوا الناس بأنهم جاءوا، من أقصى الشمال، ليدافعوا عنهم، ويوفروا لهم الخبز، وينشدوا لهم أغاني السلام.
دمر الحوثيون الدولة والبنية التحتية والنسيج الاجتماعي للبلد، وأعادونا إلى عصر الطائفة والحكم بالحق الإلهي. حرروا الإنسان إلى مرحلة الخوف والفقر والقهر. حرروهم، بقهر الإنسان وتحويله إلى عبد لجماعة أصولية دينية إرهابية، معادية للإنسان والحياة معا.
حزم بعض سكان المدينة أمتعتهم ورحلوا، بعد أن اقدمت الميليشيا الطائفية التي أسقطت الوطن من أجل أوهام الحق الإلهي، في سبتمبر/أيلول الماضي، وتبقى الغالبية العظمى عالقة وسط الخراب والفقر والقصف والموت، من دون أدنى فرصة حتى للهروب الآمن.
تعز المدينة المحرومة بالقصد من الخدمات، ون وصول النفط ومشتقاته، منذ أزيد من ثلاثة أشهر وقصف المشافي بقذائفهم التي لا تفرق بين غرف العمليات وغرف العناية المركزة. كانت المحافظات، وفي مقدمتها صنعاء، تصل إليها الخدمات، ولو بأدنى الحدود، فيما ظلت، ولا زالت، سلطة الأمر الواقع (جماعة الحوثي) تفرض حصاراً على مدينة تعز، وتمنع وصول الكميات التجارية إليها، أو المساعدات الغذائية الأممية، بل إنها حولت مخصصات المحافظة من المشتقات النفطية إلى صنعاء، ومنعت توزيع ما تبقى داخل خزانات المحافظة الاستراتيجية، ثم أطلقت قذيفة على مستودع المحافظة من الغاز المنزلي في منطقة الضباب، وتم تدمير حوالي 65 ألف أنبوبة.
ظلت نقاط جماعة الحوثي، بطول الطريق من ذمار إلى تعز، تصادر جوالات البنزين وأنابيب الغاز من سيارات المواطنين من أبناء تعز. الوضع متدهور، لابد من لفت نظر الحكومة والأمم المتحدة ومنظمة الغذاء ومنظمة أطباء بلا حدود، وكل المنظمات التي تؤمن بالإنسان وحقة بالحياة لعمل جسر بري من عدن إلى تعز، لإيصال الاحتياجات والمساعدات الضرورية قبل أن نفقد يمنيون أبرياء كثيرون حياتهم، من دون سبب.