عبداللطيف المرهبي
معيار النجاح لإدارة الدول ومؤسساتها يكمن في السياسات المتبعة والاستراتيجيات المتغيرة المبنية على دراسات وابحاث علمية حديثة ومتخصصة ، وهذا ما تفتقر اليه السياسة والقرارات والمشروعات في اليمن وهو الخلل الذي يقودنا دائماً الى الانهيار وعدم الاستقرار من جميع النواحي .
وكم هي المشروعات والبرامج والقرارات الأنية واللامدروسة التي يتم تنفيذها دون جدوى .
هذا الأمر لا ينحصر على الدولة ومؤسساتها ورجالاتها وحسب بل يعد سائداً وملموساً في غالبية المؤسسات الغير رسمية القائمة في شتى المجالات والنواحي ومنها التجارية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني بانواعها .
عندما تدار البلد ومؤسساتها وترسم الخطط والمشاريع والبرامج أياً كانت ارتجالاً وعشوائية وتكهنات فانها لن تغادر دائرة الفشل .
وأي دولة ومؤسسات لا تعتمد الأبحاث والدراسات العلمية المعمقة والمتجددة مركز انطلاقها ومرجعيتها نحو البناء والتنمية ومعالجة الاختلالات فبلا شك ان كل أنشطتها واجراءاتها لن يكتب لها النجاح وقد تساهم بشكل أو بأخر في العبث والخراب ومفاقمة الاشكالات وترحيلها .
دولة كاليمن لا تعير مراكز الأبحاث الرسمية وغير الرسمية ادنى اهتمام وتتعاطى مع أية ابحاث وتقارير علمية ومعلوماتية واحصائية وتحليلية قد يكون مصدرها الغير تخص بلدها وقضايا مجتمعها بكل استخفاف واهمال فماذا سيكون عليها الحال والوضع عامة غير الذي وصلنا إليه .
لدينا مركز البحوث والدراسات اليمني كجهة حكومية فاشلة بكل ما تعنية الكلمه وبغض النظر عن المسببات لعدم فاعليتة ومن أهمها الطريقة الاعتباطية التي تدار بها البلد عامة من أعلى هرم سلطوي وتنفيذي وحتى ادناه ، الا ان المركز وادارتة جزء من المشكلة .
يمتلك هذا المركز الشكلي كادر لا بأس به من الأكاديميين والخبراء والباحثين في مختلف التخصصات والمجالات لكن وللأسف أُبقي المركز خارج الخدمة وبلا فاعلية أو نجاح وفقاً لرغبة وسياسة صناع القرار طوال العقود الماضية .
بين الحين والأخر يتحفنا الباحثون المقربون من الإدارة في هذا المركز بمؤلف أو تقرير غالباً ما يكون في المجال الأدبي بحكم الميول الثقافية لرئيس المركز ، وفيما ندر يخرج البحث إلى المجالات الأخرى ناهيك عن الطريقة السائدة التي تعتمد هنا لاعداد البحث أو المؤلف واخراجة إلى مكتبة المركز والمتمثلة بالأسلوب الإنشائي والاعتماد على المصادر الثانوية اذا تطلب الأمر ،بعيداً عن المنهجية الأساسية والمتطلبة لأي بحث كالمسوحات الميدانية والمقابلات والملاحظات المباشرة والاحصاءات والمعلومات والتقارير وغيرها من المصادر الأساسية .
ومهما تكن الأبحاث- مجازاً - والتقارير التي لا تصدر وفقاً لمنهجية علمية دقيقة فانها لن تكون ذا قيمة .
كذلك الحال يتكرر مع المؤسسات الحزبية الحاكمة والمتطلعة للحكم أو المشاركة فيه ، وما هو معلوم ان لا حزباً سياسياً يملك مركز بحثي من الأساس ولا حتى دائرة فعلية معنية بهذا الشان ، والأنكى من ذلك تطابق تعاطيها بهذا الخصوص مع النهج الرسمي تماماً ويظل الأمر البحثي خارج اهتمامها على المستوى الداخلي للحزب وفي الشأن العام .
عمل ويعمل المجتمع الدولي عشرات الأبحاث والدراسات في اليمن خلال السنوات الماضية وبالذات منذ ما بعد 2006 م وأصبح اليمن صفحة مفتوحة لكل العالم وكانت ولازالت المنظمات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة تركز جهودها وأنشطتها في هذا الشأن وما من مجال الا ونقبت فيه بعمق سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وجيولوجياً بينما أصحاب الشأن من اليمنيين يغردون خارج السرب ولا كأن الأمر يخصهم .
جميعهم لم يكلفوا أنفسهم لوهلة عناء المتابعة لتلك المنظمات والشركات الدولية ووكلائها وأنشطتها ومخرجاتها ولم يستفيدوا من كل الدراسات والتقارير التي انتجها الخارج في اليمن ولا اعتقد ان أياً منهم قرأها وهنا تكمن المشكلة .