ياسين التميمي
أخيرا تم استعادة محافظة عدن، ولهذا الإنجاز الاستراتيجي ما بعده على صعيد تقرير مصير الدولة، وبه يبدأ العد العكسي لاستعادة صنعاء باعتبارها الهدف الأكثر حيوية للحكومة ومن خلفها التحالف العربي.
تلقى الانقلابيون أقوى ضربة عسكرية مؤثرة في الحرب التي سعروها منذ التاسع عشر من شهر آذار/مارس الماضي، لأن عدن بالمقاييس الاستراتيجية، أكثر من مجرد مدينة، فهي عاصمة بديلة لليمن مجهزة بكل الإمكانيات التي تحتاجها أية حكومة لإدارة شئون الدولة.
وفي عدن يوجد أكبر ميناء في اليمن، وفيها أقدم مطار دولي، وميناء حر لتناول الحاويات، وهذه المنافذ ستجعل عدن بوابة واسعة لانتقال المواطنين، ولتدفق المساعدات الإغاثية، وهذا يعني أن مليشيات المخلوع صالح والحوثي ستجد صعوبة في التحكم بهذه المساعدات أو استغلالها لتعزيز مجهودها الحربي كما كان يحدث في السابق.
وعبر هذه البوابة سوف تتدفق المساعدات العسكرية التي تحتاجها الحكومة في هذا المنعطف الهام من مشروع استعادة الدولة الذي يشكل الهدف الاستراتيجي لقوات التحالف العربي.
ارتفع منسوب الثقة لدى المواطنين اليمنيين إلى الحد الأقصى بقدرة الحكومة المدعومة من التحالف العربي، وستنتهي تقريبا مأساة العالقين قسريا في عدد من الدول، وستكسر القيود التي كانت المليشيا تفرضها على حركة المعارضين عبر المنافذ.
لا يجب أن تأخذنا التفسيرات غير المنطقية بشأن معركة تحرير عدن بعيدا عن حقيقة ما حدث. فهذه المعركة ليست مشروعا إماراتيا، كما تحاول بعض تسريبات الانقلابيين تسويقه، وليست صفقة سرية بين التحالف والرئيس المخلوع صالح، بما يوحي بأنه لا يزال أمام المخلوع فرصة للعب دور في المشهد السياسي الذي لطخه بالدم.
معركة تحرير عدن سقط فيها ضحية من قوات التحالف العربي، هو الملازم أول عبد العزير بن سرحان الكعبي، مما يعني أنها كانت معركة تحرير حقيقية من مليشيات هي خليط من جيش سابق موالي للمخلوع صالح والحوثيين.
أعتقد أن التحالف العربي حسم أمره في ما يتعلق بالتدخل البري، فقد حدد النموذج الأنسب لهذا التدخل، ذلك النموذج هو ما شهدناه في عدن، حيث العنصر الأساسي في هذا التدخل قوات يمنية مدربة حديثا من قبل التحالف العربي، مع دعم لوجستي وعناصر إسناد ميدانية ومعدات وآليات حديثة.
هذا الشكل من التدخل البري، يكسر بالضرورة معادلة القوة التي ظلت تميل لصالح مليشيات المخلوع صالح والحوثي طيلة الفترة الماضية، بما يوفره من أسلحة حديثة وأكثر تطورا، في حين أن المليشيات تفقد كل يوم قدراتها التسليحية، وتجد صعوبة في توفير الإمدادات، بسبب الضربات المكثفة للتحالف لخطوط الإمدادات، ولمخازن الأسلحة الرئيسية في محيط مدينة صنعاء.
قد نرى قريبا تدخلا بريا قويا وفعالا في محافظة تعز القريبة من محافظة عدن، حيث تخوض المقاومة معارك شرسة ضد المليشيات وتعيق كل محاولة لهذه الأخيرة للسيطرة على عاصمة المحافظة.
تكمن أهمية تعز في أنها تشرف على مضيق باب المندب، وفيها أكبر كتلة سكانية مناهضة للانقلاب وللمليشيات، ومن شأن خروجها الكامل من السيطرة العسكرية للمليشيات أن يعزز من نفوذ الحكومة وسيطرتها على فضاء جيو سياسي مهم في جنوب غرب البلاد، بكل ما يعنيه ذلك من فرصة لمواصلة معركة التحرير وصولا إلى العاصمة صنعاء، وهو هدف يبدو قريبا للغاية بعد أن تحولت المليشيات في معاقلها الرئيسية إلى عبئ استراتيجي وأمني على تلك المناطق.
وجود قيادات مهمة بالدولة في عدن يعطي مؤشرا قويا على طبيعة التحول في مسار الأزمة اليمنية.. فالمليشيات الانقلابية لم يعد لديها خيارات لمواجهة المد المقاوم في المحافظات اليمنية وهذا الزخم من الدعم الذي يؤمنه التحالف.
الرهان على جر التحالف إلى معارك استنزاف برية سقط سقوطا ذريعا، والاستمرار في حرب استنزاف على الحدود لم يعد ممكنا في ظل النزيف الحاد في مصادر القوة لدى المليشيات، التي تواجه صعوبات كبيرة في توجيه الضربات للمواقع السعودية بصواريخ الكاتيوشا ناهيك عن الصواريخ البالستية.
* التقرير