عمار زعبل
يعرف اليمن وضعاً استثنائياً، فيه من المأساة والحرب التي وصلت إلى كل شبر في أراضيه، لم تصل إليه الدولة من قبل ولا مشاريعها، فوصلت يد العبث والفوضى التي حذر منها مرة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، في أثناء ثورة فبراير التي أرادت إسقاط نظامه، فأراد هو إسقاط كل شيء، ولسان حاله "ليس بعدي إلا الخراب"، وكان له ذلك.
وفي ظل أحداث متسارعة، تأرجحت السياسة في اليمن على أرض هشة، فيها عدم الثقة، حتى بين المتشاركين على مشاريع سابقة، كاللقاء المشترك الذي عوّل عليه الشعب كثيراً، لكنه ظهر غير متماسك، كما كان يبدو في لقاءات وتصريحات قياداته، لتزيد الثقة غياباً، بعد أن بدأت مليشيات الحوثي اجتياحها المدن، واحدة تلو الأخرى، حتى الوصول إلى صنعاء، في تفكك وظهور فجوة كبيرة، تتعاظم يوماً بعد آخر، حتى تمت السيطرة على مؤسسات الدولة في صنعاء، لتظهر مليشيات الحوثي في الشارع، بينما الذي يدير اللعبة من وراء حجاب، وأحياناً في العلن، علي عبدالله صالح، وفريق عمله الدؤوب على خدمته وخدمة أفكاره التدميرية.
وهي الأرضية التي لم تتماسك، وازدادت هشاشة، بعد خروج عبد ربه منصور هادي من صنعاء، وبداية اشتعال الحرب التي أعلنها علي صالح وحليفه الحوثي على محافظات تعز والجنوب، باعتبارها مناطق خرجت عن عصا الطاعة، ولم ترتض المشروع الانقلابي الجديد الذي ألبس مسوح الثورية ومحاربة الفساد، ثم ألبس محاربة الجهاد ضد من أسموهم الدواعش والتكفيريين، في استنساخ ظاهر لمشاريع أخرى في المنطقة، وهو ما أظهر أن يد إيران هي الطولى في تحريك الأحداث في اليمن، وقيادتها إلى خدمة مشروعها الاستعماري الجديد. لتأتي عاصفتا الحزم والأمل بعد أن انتقلت نصف الحكومة وأمناء الأحزاب إلى الرياض، لتشكيل غرفة مشتركة للتحالف العربي الذي أدار العاصفتين بحزم وأمل، لكنهما لم يؤتيا أكلهما إلى اللحظة، فالأمور تراوح مكانها، ولا شيء يلوح في الأفق، إلا شبح الحرب والاقتتال والحصار، الذي أحال مدناً إلى أراض محروقة.
لتظهر الاختلافات على السطح، وأن إدارة الأمر ما زالت كما قبل 21 سبتمبر، تفتقد المصداقية والنية الواضحة الأهداف لإدارة المرحلة التي تتطلب الوطنية والاستعداد للتضحية وضرب المصالح الذاتية عرض الحائط، والعمل على إخراج البلد من الأزمة والحرب التي تعيشها بكل الطرق المتاحة.
كل ذلك لم يكن وكان العكس، انتقلت الاتهامات والخلافات إلى الرياض، وأديرت عمليات التحالف كما تحدث ناشطون بالطريقة الخطأ، تم تصنيفها في دائرة الانتقام، وإزاحة المنافسين، وإيجاد تربة جديدة فيها خصوبة لتأزيم الوضع، وإيجاد مشاريع جديدة، لا تختلف كثيراً عن مشاريع الحوثي وصالح.
المقاومة على الأرض ورجالها لم يجدوا الدعم الكافي لحسم المعركة، لأنه لا غرفة لإدارة العمليات، وبقي التحكم عن بعد من العاصمة السعودية، إضافة إلى عدم تشكيل فرق دبلوماسية، تتحرك في دول العالم لشرح القضية اليمنية، والبحث عن طرق للحل، وهي الفرصة التي استغلها الرئيس السابق، وبدأ يرسل مبعوثيه، واحداً بعد الآخر، في رحلات جابت العواصم المؤثرة، ولها ثقل في الشرق الأوسط.
وحده ظهر، أخيراً، نائب الرئيس ورئيس الوزراء اليمني، خالد بحاح، في زيارات مختلفة إلى دول عدة، للبحث عن حل، قد يرضي الأطراف اليمنية والإقليمية، على حد سواء، يكون فيها نهاية للعبث والدمار، ووقف لنزيف الدم اليمني الذي تقتله ميليشا الحوثي وصالح، مستخدمة الأسلحة الثقيلة، من دبابات وصواريخ، متعمدين، في قطع أية أواصر قد تذكّر اليمنيين ببعضهم.
ووفق تسريبات وتصريحات لإعلاميين عرب، هناك ترتيب جديد للوضع في اليمن، يكون لبحاح فيه دور كبير في إعادة الدولة اليمنية، والبداية لتشكيل حوار يمني يمني، يرضي كل الأطراف المتصارعة، وتقطع الطريق أمام من يريد إطالة الحرب، أو أولئك ممن يعقدون تحالفات من المهجر ومدن المنفى، لإيجاد خارطة جديدة في اليمن، يكون لهم فيها قدم ثابتة ترضيهم، وترضي أسيادهم الجدد في المنطقة.
كل الحقائق تدل على أن المشكلة اليمنية لم تأخذ حقها دولياً، في ظل الانقسام الظاهر، والظهور المرتبك لقيادات في الأحزاب اليمنية التي قسمت نفسها نصفين، قدماً في صنعاء وأخرى في الرياض، يداً مع القاتل وأخرى تربت على الضحية، والحرب مستمرة، لا أحد يسعى إلى وقفها، أو لملمة ما تبقى من الجسد اليمني، وهو ما نتمنى أن ينجح فيه خالد بحاح، وكل الساعين إلى إنهاء الحرب والاحتكام للعقل والمنطق، والكلمة "السواء".