إبراهيم بن محمود النحاس *
إن إثبات مدى الارتباط بين الدولة الإيرانية والجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية لا يحتاج إلى كثير تفكير. فبمجرد نظرة سريعة للسياسات الإيرانية تجاه الدول العربية سنجد الكثير من الشواهد الماثلة أمامنا للعيان. وعلى سبيل المثال: 1) الممارسات الطائفية والمتطرفة والإرهابية في العراق؛ 2) تبني حزب الله في لبنان؛ 3) تبني جماعة الحوثي في اليمن؛ 4) دعم نظام البعث في سورية بالسلاح والمسلحين وبالعملاء والمرتزقة؛ 5) دعم الجماعات المتطرفة والإرهابية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي؛ 6) زرع خلايا للتجسس ومنها ما تم كشفه في المملكة العربية السعودية في شهر مارس 2013م. وهناك الكثير من الممارسات العلنية التي يقوم بها النظام السياسي في الدولة الإيرانية مدعوماً بالدستور الإيراني وبتأييد كامل من قبل القيادات السياسية فيها وعلى رأسها مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي.
وإذا كانت هذه التصرفات علنية ومعروفة لدى الجميع، إلا أن هذه الممارسات الإرهابية حاولت خلال الفترة الأخيرة استهداف الدولة الأردنية. فكما " أفاد مصدر قضائي أردني..أن السلطات أحبطت ... مخططاً إرهابيا يستهدف الأردن كان سينفذه عراقي منتم لفيلق القدس الإيراني...".
وفي الوقت الذي لم نستغرب هذا التصرف الإيراني بحكم أنه نظام يتبنى التطرف والإرهاب، إلا أن ما يدعونا للتساؤل هو الدولة المستهدفة والتوقيت في استهدافها. ولعل الدولة الإيرانية أرادت أن تحقق من هذا العمل الإرهابي عدة نقاط منها:
أولاً: أن الملك عبدالله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية هو أول رئيس عربي صرح بأن الدولة الإيرانية تعمل على تشكيل "هلال شيعي" بالمعنى السياسي للكلمة وليس الديني. هذا التصريح الذي يعود لعام 2004م أزعج الدولة الإيرانية التي تعمل على استخدام المذهب الشيعي لتنفيذ مخططاتها الفارسية الصفوية في المنطقة. وبحكم أن هذا التصريح لملك الأردن يعبر عن سياسة عربية لمواجهة خطر الإرهاب الإيراني وفي نفس الوقت يوضح خطر الدولة الإيرانية على الوطن العربي، فإن الدولة الإيرانية التي بدأت تتكشف سياساتها المتطرفة والإرهابية تريد أن تنتقم لنفسها وذلك باستهداف أمن وسلامة واستقرار الدولة الأردنية عن طريق التفجيرات ودعم التطرف والإرهاب فيه.
ثانياً: ان الدولة الإيرانية استخدمت شخصا عربيا ينتمي للجنسية العراقية لتنفيذ مخططها الإرهابي في الدولة الاردنية. وفي هذا التصرف محاولة إيرانية في اتجاهين: 1) تصوير الشعوب العربية أمام الرأي العام العالمي وكأنها شعوب تحب التطرف والإرهاب وتتبناه وتنفذه؛ 2) تحاول أن تثير الفتنة بين أبناء الشعوب العربية. ففي حال نجحت المحاولة الإرهابية، فإن بعض أبناء الشعب الأردني قد ينتقم من بعض أبناء العراق المقيمين في الأردن. أو قد تنشأ عداوة بين أبناء العراق والأردن. فإثارة الفتنة بين أبناء الشعوب العربية أحد الأهداف الرئيسية التي تعمل عليها الدولة الإيرانية لتحقيق مبتغاها.
ثالثاً: استهداف وحدة الشعب الأردني. فمن المعلوم بأن الشعب الأردني يتكون من أبناء الشعب الفلسطيني الذين هجروا من أراضيهم وخاصة بعد حرب 1967م ويقيمون منذ ذلك التاريخ في الأردن حتى تقوم الدولة الفلسطينية. وبالإضافة لأبناء الشعب الفلسطيني يتواجد في الأردن من أبناء الشعب العراقي الذي هجروا وهاجروا منذ العام 1990م وما بعده من أعوام حتى الان. ويضاف لهؤلاء ابناء الشعب السوري الذين هجروا بسبب سياسات نظام البعث السوري. فإذا كانت هذه تركيبة الشعب الأردني المعقدة، فإن حدوث عمل إرهابي سوف يؤدي لإثارة فتنة كبيرة بين أبناء الشعب الأردني خاصة إذا تم تحميل هذا العمل الإرهابي لأبناء جنسية عربية تجاه أبناء جنسية عربية أخرى على الأراضي الأردنية. لذلك فإن استهداف التركيبة السكانية في الأردن هدف إيراني لدعم الفتنة والانقسامات الشعبية في الأردن.
رابعاً: لقد تضمنت التصريحات القضائية الأردنية بأن "المتهم كان ينوي إرسال جزء من هذه المتفجرات إلى الأراضي الفلسطينية". وفي هذا التصرف محاولة لإثارة نزاع دولي بين الأردن والدولة الفلسطينية، وكذلك بين الأردن والدولة الفلسطينية من جهة مع الدولة الإسرائيلية من جهة اخرى. ففي حال تم تنفيذ هذا المخطط فإن نزاعاً سياسياً كبيراً سوف يحدث بين الأردن وفلسطين مع اسرائيل. هذا النزاع السياسي سوف يدفع ثمنه الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة إما حصارا أكبر أو استهدافا أمنيا تجاه الأبرياء. ولكن في المقابل سوف تستفيد الدولة الإيرانية استفادة كبيرة من حدوث مثل هذه الفتن.
وإذا كانت هذه بعض النقاط التي تسعى لتحقيقها الدولة الإيرانية في الأردن، إلا أن النقطة الأهم تتعلق بلماذا الأردن وفي هذا التوقيت؟.
وفي اعتقادي بأن الدولة الإيرانية أرادت أن تستهدف الأردن لاعتبارات أخرى إضافة للاعتبارات السابقة، ومن هذه الاعتبارات:
أولاً: أن المحاولات الإيرانية في رؤية فتنة طائفية أو شعبية في داخل دول مجلس التعاون لم تنجح خلال العقود الماضية. فمنذ ثورة الخميني عاما 1979م وحتى الآن لم تنجح جميع سياسات الدولة الإيرانية في تصدير الفوضى لدول مجلس التعاون وذلك بفضل تماسك أبناء وشعوب دول المجلس ومعرفتهم بأنهم مستهدفون في وحدتهم وفي عقيدتهم من أعداء الأمة العربية والاسلامية. لذلك سعت الدولة الإيرانية للعمل في مكان آخر في محاولة للتغلب على فشلها في دول مجلس التعاون بتحقيق نجاح في الأردن.
ثانياً: تسعى الدولة الإيرانية لإثارة فتنة وعدم استقرار سياسي في الدولة الاردنية كما عملت في العراق وسورية ولبنان واليمن. هذه الفتنة التي تسعى لها الدولة الإيرانية ستحقق مكاسب كبيرة لها لأنها ستؤثر على دولة عربية أخرى كما أثرت على أربع دول عربية سابقة.
ثالثاً: استهداف المملكة العربية السعودية من الخارج. فكما تعمل الدولة الإيرانية على اشغال المملكة العربية السعودية في حدودها الجنوبية عن طريق جماعة الحوثي التي قامت الدولة الإيرانية بدعمها وتسليحها وما زالت تدعهما سياسياً وبغير ذلك من أنواع الدعم، فهي تحاول أن تخلق حالة عدم استقرار في حدود المملكة العربية السعودية مع الدولة الأردنية مما يعني اشغال المملكة في الشمال والجنوب في نفس الوقت. وهذا المحاولات الإيرانية في استهداف المملكة ليست بالجديدة ولكنها فشلت في الداخل وتحاول أن تنجح من الخارج.
أما فيما يتعلق بالتوقيت، فذلك يفسره التراجع الملحوظ في السياسة الإيرانية في المنطقة خاصة بعد استهداف جماعة الحوثي والقضاء على مقدراتها العسكرية الكبيرة التي اتضحت من خلال استهدافها من قبل قوات التحالف الدولي "عاصفة الحزم"، أو بعد تراجع دورها في الدولة السورية بعد أن كانت تدير الدولة السورية عن طريق بشار الأسد. لذلك سعت الدولة الإيرانية لتحقيق نجاحات نوعية في الأردن لتقول لعملائها في العراق وسورية ولبنان واليمن وبعض المرتزقة في الدولة الأخرى بأنها متواجدة على الساحة وتستطيع الفعل خاصة بعد فترة من التراجع في مواقعها في المنطقة. لذلك فهي تريد الحفاظ على عملائها والمرتزقة الذين تبنتهم خلال العقود والسنوات الماضية.
ونختم بالقول إن المملكة الأردنية الهاشمية وشعبها الكريم على علم بأنهم مستهدفون في وحدتهم وفي أمنهم واستقرارهم من قبل الدولة الإيرانية التي أعلنت ذلك منذ ثورة الخميني وما زالت تعلنه عن طريق عملائها. هذا العلم بسياسات الدولة الإيرانية هو الذي جعل الشعب الأردني ومعه الشعوب العربية تقف صفاً واحداً ضد التطرف والإرهاب ومن يرعاه ويدعمه بأي شكل من الأشكال، وفي نفس الوقت تدعم هذه الشعوب الأمن والسلم والاستقرار ووحدة المجتمع.
وفي الوقت الذي نعلم كشعوب عربية بأن الدولة الإيرانية تدعم التطرف والإرهاب الذي يقوم به أفراد أو جماعات أو تنظيمات، فإننا نستغرب عدم استنكار الدول الغربية للسياسات الإيرانية الإرهابية. ولكن مما يزيد الاستغراب هو قيام الاستخبارات الوطنية الأميركية بحذف اسم إيران من قائمة التحديات الإرهابية التي تواجه الولايات المتحدة!
*أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية - جامعة الملك سعود
/نقلا عن الرياض/