يوسف القبلان
عاد الإرهاب من جديد فضرب في الكويت وتونس وفرنسا في يوم واحد. وبعد كل عملية ارهابية يهب العالم للتنديد والاستنكار. ثم تبادر بعض الدول وبعض الشركات والمؤسسات في اعتماد اجراءات أمنية جديدة. يصاحب ذلك انفجار إعلامي وتفاعل اجتماعي سرعان ما يخبو ثم يعود من جديد بعد كل حدوث عملية إرهابية جديدة.
الارهاب اليوم عدو للإنسانية، عدو للأمن والسلام والتعايش ووحدة الأوطان. تحول الى وباء ينتشر بسرعة ويهدد الجميع. وباء لا يمكن القضاء عليه بإبراز مخاطره فقط بل باتخاذ الاجراءات الوقائية. العمليات الاستباقية التي تكافح الارهاب يجب ألا تكون ذات طابع أمني فقط. المرحلة الارهابية الخطيرة التي تهدد أمننا ووحدتنا ومستقبلنا تتطلب خططا بعيدة المدى تتعمق في جذور الارهاب وتتعامل بجدية مع منابعه الفكرية ومصادر تمويله. لا مكان للمواقف الرمادية. الوباء قد يعالج بالأدوية لفترة مؤقتهة ولكنه يعود من جديد إذا لم نعالج أسباب نشأته وانتشاره.
العالم لم يحقق النجاح الكافي حتى الآن في مكافحة الارهاب. قضايا سياسية خطيرة في منطقتنا العربية استغلتها ايران لنشر الفتنة الطائفية كسلاح للتمدد والسيطرة كما فعلت في العراق ولبنان وكما تحاول أن تفعل في اليمن.
مؤامرة ايرانية تلتقي مع خيانات من الداخل، ومع كسل دولي غامض بقيادة أميركا.
إنه واقع أعطى الاشارة الخضراء لإيران لتسرح وتمرح وتفعل ما تشاء في عالم تحكمه المصالح وتتوارى فيه القيم والأخلاق وتصبح العلاقات والصداقات الدولية مجرد كلام يقال في المؤتمرات الصحفية.
في دول الخليج تعايش قديم بين كافة أطياف المجتمع، كانت الطائفية منسية لصالح الوطن، والأمن والسلام والتنمية والاستقرار. حدثت ثورة ايران وبدأت تعمل على احياء الطائفية ونشر الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. لم يكن الاستقرار والتعايش في دول الخليج يخدم مطامعها.
هذا هو العدو الخارجي الذي يحاربنا بوباء الارهاب والطائفية. ماذا عن العدو الداخلي؟ ماذا عن التحريض والتمويل؟ ماذا عن التطرف الفكري؟ ماذا عن الخطاب التكفيري؟ ماهي استراتيجيتنا الفكرية بعيدة المدى التي تعزز التعايش والانتماء الوطني واعلاء قيم التسامح والبناء والرحمة والسلام، تلك القيم الاسلامية العظيمة التي يجب حمايتها من فكر المتطرفين والمتاجرين بالدين.
إن وجود تآمر خارجي لا يعفينا من المسؤولية. سوف نكون أعداء أنفسنا إن لم نعترف بوجود أزمة فكرية تحتاج الى معالجة. سوف نكون أعداء أنفسنا إن لم نراجع خطابنا الديني، ونجرم الممارسات المتعارضة مع القيم الدينية. سوف نعزز الأمن والوحدة الوطنية حين نضع القوانين الصارمة ضد الطائفية والتطرف والتمييز بكافه أشكاله. سوف نعزز التعايش حين نقف بقوة ضد فكر الكراهية وتصنيف البشر وتعليبهم.
سوف نقضي على وباء الارهاب حين نتعاون لمصلحة الجميع، ونتحاور وفق مبدأ (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ونعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه).
إنها الجبهة الداخلية التي تمثل السد المنيع أمام طوفان الأطماع الخارجية والمؤامرات. الجبهة الداخلية التي تدرك أن تفجيرات المساجد يريد من دبرها إشعال الفتنة الطائفية وتفكيك الأوطان تمهيدا لتحقيق مآربه الخاصة. الجبهة الداخلية التي تعي أن الاسلام بريء مما يفعل الارهابيون. الجبهة الداخلية التي تعرف جيدا أن الشعارات الدينية والقومية التي ترفعها المنظمات الارهابية هي مجرد شعارات خادعة يراد بها تغطية الأهداف الحقيقية.
الجبهة الداخلية التي تلاحظ من هو المنفذ للعمليات الارهابية ومن هو المستهدف وأن ايران واسرائيل لا تستهدفهما تلك العمليات!
إن الجبهة الداخلية قوية وسوف تكون أقوى إذا انتبهنا الى المواقف الرمادية والتعليقات التي تكاد تبحث عن مسوغات الارهاب. سوف تكون الجبهة الداخلية أقوى حين نرفض التطرف، ونرفض التدخلات الخارجية، ونوقف الفكر التكفيري، والفتنة الطائفية. سوف نكون أقوى حين يكون الولاء للدين والوطن وليس للتحزبات والمنظمات التي تسعى لمصالحها الضيقة. وسوف ننجح في مكافحة الارهاب إذا طبقنا مبدأ (هاجم كي لا تهاجم)..
علينا ألا نكتفي بالاحتياطات الأمنية وتشديد الاجراءات الأمنية بعد كل عملية ارهابية، لا بد من المبادرة الأمنية والفكرية والانتقال الى ساحة الارهاب والتطرف أي من الدفاع الى الهجوم، وأن يكون ذلك تنفيذا لخطة بعيدة المدى تتعاون فيها كل الدول المحبة للسلام. على العالم ألا ينتظر قدوم الوباء، عليه أن يوقفه فبل أن يصل.
/نقلا عن الرياض/