د. عبدالمجيد محمد الجلاَّل
معلومٌ للجميع بأنَّ تعاطي الأمم المتحدة مع القضايا العربية، لم يكن جيداً، بدا ذلك واضحاً، وضوح الشمس في رابعة النهار، في قضايا فلسطين، والأزمة السورية خاصَّة.
في الأزمة اليمنية، لا جديد في الأمر، بل الآليات نفسها، والعثرات إياها، وربما أكثر إحباطاً وتأزيماً، فقد مارس المبعوث الأممي السابق في اليمن جمال بنعمر، أدواراً سلبية، في إدارة ملف الأزمة، شجعت الحوثيين، والمخلوع صالح، على تمرير مشروعهم الانقلابي، ضد كل مؤسسات الدولة الشرعية، واستباحة المدن اليمنية، وممارسة كل أنواع البطش والقتل والتدمير والتهجير القسري، فالإنسان اليمني لا يعني لهم شيئاً، وهو وقود مغامرتهم وحربهم بالوكالة، رأينا ذلك في الهدنة الإنسانية، فقد استغلها الحوثيون، والعفاشيون، لإعادة تمركزهم، وتحسين خطوط الدعم والقتال لديهم، واستمروا في قصف المدنيين، والمراكز الحضرية والصحية، بقسوة ووحشية
كان بإمكان السيد جمال بنعمر، لو التزم بمسؤوليته الدولية والأخلاقية، أن يتخذ موقفاً حاسماً، ومبدئياً، ضد البلطجة الحوثية، والعفاشية، وأن يُخاطب مجلس الأمن بهذه الخروقات الخطيرة، التي نسفت مسار الحوار السلمي، بين كل المكونات السياسية اليمنية، ولكن عوضاً عن ذلك، حاول شرعنة الانقلاب، والبناء عليه، وفرض الواقع الجديد، على الجميع، ولم يفعل شيئاً، على الاطلاق، حيال التمدد الحوثي والعفاشي، في كل المساحة الجغرافية اليمنية، حتى تجاوز هذا التمدد كل الخطوط الحمراء، بالتقدم نحو عدن، فكانت عاصفة الحزم، ويبدو للعديد من المراقبين، والمهتمين بالشأن اليمني، أنَّ المبعوث الأممي الجديد إسماعيل ولد الشيخ، سائرٌ على نهج سلفه، وإذا كانت، هذه مآلات أفعال ومواقف مبعوثي الأمم المتحدة، فلن تكون المؤتمرات، أو اللقاءات، التي تُنظمها، أو تُشرف عليها، بأحسن حالٍ منها ومن ثمَّ فلم يكن مُستغرباً هذا الفشل السياسي والإجرائي لمؤتمر جنيف التشاوري، بل كان المُستغرب أن ينجح لأنَّ الأمم المتحدة، وبوجيز العبارة، ليس لديها آليات فاعلة، أو قدرة أو رغبة -سمها ما شئت عزيزي القارئ -لإجبار الحوثيين على تنفيذ القرارات الأممية، وفي مقدمتها القرار 2216 الصادر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
هذا الضعف في أداء المنظمة الأممية، يتماهى مع المواقف الدولية المتراخية، التي امتنعت عن إدانة ممارسات الحوثيين والعفاشيين الإرهابية، والتي لا تقل خطورة وإجراماً عن إرهاب داعش والقاعدة، وهي في ذلك تستمرئ سياسة ازدواجية المعايير، أو الكيل بمكيالين ليس ذلك فحسب، بل إنَّها تحاول الالتفاف على القرارات الأممية، والقفز فوق كل مرجعيات الأزمة اليمنية، على كل حالٍ الكرة اليوم في ملعب الحكومة اليمنية الشرعية إذ عليها الإسراع أكثر في العمل والحراك، على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي ولا تترك الساحة حكراً على الحوثيين، خاصَّة وأنَّ لديها أوراقا مهمة، ومرجعيات استراتيجية، ينبغي أن تستثمرها، بأقصى فعالية ممكنة وفي مقدمتها: القرار الأممي 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الذي جرى في صنعاء قبل انقلاب الحوثي ونتائج مؤتمر الرياض الأخير.
من المهم، استراتيجياً، في هذه المرحلة، تواجد الرئيس هادي وحكومته في الجغرافية اليمنية، ولتكن عدن أولاً، خاصَّة أنَّ المقاومة الشعبية الباسلة تسيطر على نصف مديرياتها، وتستعد لتحرير البقية، وعلى الحكومة كذلك التواصل مع كل المكونات اليمنية في الداخل، لتوسيع مظلة التأييد الشعبي. ومن المهم جداً، بالموازاة، مع ذلك، الالتزام بدعم المقاومة الشعبية، بالسلاح الكافي، والتنسيق في ذلك مع قوات التحالف العربي وإيجاد غرفة عمليات مركزية داخل المناطق المُحررة، للتنسيق والمتابعة، والإسراع في مشروع بناء نواة جيشٍ وطني، من كل أبناء الوطن اليمني الشُرفاء، ومن رجال المقاومة الشعبية. وهناك أخبار طيبة، بوجود عناصر يمنية ما بين 3-4 آلاف يتم تدريبها، بإشراف قوات التحالف العربي بقيادة المملكة
نسأل الله النصر والتمكين، وتحرير اليمن في القريب العاجل إن شاء الله من هذه العصابة وبناء هياكل الدولة اليمنية الاتحادية الجديدة، وفق دستورٍ جامعٍ لكل المكونات اليمنية.
/نقلا عن الرياض/