عبدالله الصنوي
أنتم جميعا لا تعرفون الحروب، أنتم تظنون أن الحرب ركوب جواد جميل، وفتيات جميلات، ينثرن عليكم الزهور والعودة إلى بيوتكم أبطالاً. حسناً، لا يا سيدي، الحرب ليست كذلك. الحرب جوع ومرض ووباء ونوم في العراء.
كان هذا نصاً مقتبساً من رواية ذهب مع الريح لمرغريت ميتشل، يصف الحرب الأهلية الأميركية التي غيرت وجه أميركا إلى الأبد، ولا شيء جميل في الحرب إلا انتهاؤها، فهي شدة وعسرة وهوجاء لا ترحم أحداً. دمرت البلاد وهجرت العباد، لم تحفظ للطفل براءته، ولا للشيخ وقاره، ولا للمرأة حرمتها وعفتها، ولا للمدينة مدنيتها، ولا للقرية هدوءها وسكينتها، فكم من عائلة ابتليت بفقد حبيب أو قريب، وكم من عزيز ذل، وقوي ضعف، وغني افتقر.
لم يمض على الحرب في اليمن سوى أشهر معدودة، ولم يشمل بعد كل الأقاليم، لكن كمية الدمار التي لحقت كل شيء جميل في الوطن رهيبة، والتوقف في الخدمات وصل إلى كل شيء في الدولة. في تعز وحدها، قلب اليمن النابض بالحياة، المدينة التي أضاءت كل ربوع الوطن بنور العلم، قتل الحوثيون 339 شخصاً بين رجل وامرأة وطفل، وجرحوا 3530 آخرين. أما عن الدمار الذي لحق في المدينة، فحدث ولا حرج. 675 منزل دمر كلياَ أو جزئي. 545 محلا تجاريا 8 مستشفيات ومنشآت ومدارس وجوامع ومعالم أثرية. تتصرف مليشيات صالح والحوثي بالطريقة نفسها التي يتبعها النظام السوري، تدمير ممنهج للمدن، وقتل بلا هوادة للمدنيين.
يتبعون النظرية التي تقول أقتل المدنيين يستسلم العسكريون. ولكن، من جهة أخرى، هذه المقاومة الشعبية، وعلى الرغم من قلة عدتها وعتادها، فإنها أذاقتهم الأمرين. وكم كلفتهم من خسائر في الأنفس والعتاد، وتحرز تقدماً، وإن كان بطيئاً، ولكن بثبات. معنويات المقاومين مرفوعة، لأنهم أصحاب قضية عادلة، ومن نسيج الشعب، فهم الطالب والمدرس والطبيب والمهندس والعامل والفلاح والمثقف والكادح، ولجميعهم هدف واحد، هو دحر المليشيات المغتصبة للمدن. ولذلك، تنتقم مليشيات صالح والحوثي من المدنيين، الحاضنة الشعبية للمقاومة.
ويسري هذا الوصف على جميع المناطق المشتعلة في ربوع الوطن. هذه الحرب لم يطلبها الشعب، ولم يسع إليها، لكنها فرضت عليه بالقوة، بل على العكس، تجنبها مرات كثيرة، وكان الشعب يؤجلها من وقت إلى آخر. أذكر جيدا في 2011، كيف أن الثورة السلمية بدأت تتحول، تدريجياً، إلى عمل مسلح في وجه النظام الذي قمع المظاهرات السلمية وقصف المدن، بل واقتحم وأحرق مخيمات الاعتصام، وسلم مدنا كاملة للقاعدة، تصول فيها وتجول.
ولكن كان لقادة سياسيين واجتماعيين كثيرين، وحتى لعلماء الدين رأي آخر، وهدفه تجنيب البلاد مأزق الحرب الذي نشهده اليوم، واخترنا أخف الضررين، فقدم الثوار تنازلات في سبيل هذا الهدف، ورضينا بنصف ثورة. وها نحن اليوم نكمل ما أوقفناه قبل أربع سنوات. نعم، ستطول المعاناة، بل وتشتد، والأيام المقبلة هي الأشد ضراوة. هذا لسان حال المقاومة اليوم، بل وحتى الشعب من ورائها. لم يعودوا يأملون في حوارات ومفاوضات، فقد جربنا كل السبل، وخلصنا إلى أن الحق لا يوهب، ولا يستجدى، ولكن ينتزع انتزاعاً، ولو آلمنا هذا الانتزاع.