د.علي بن حمد الخشيبان
السؤال الأول هنا يقول هل ننتظر تغيرا في السياسة السعودية تجاه روسيا في عهد الملك سلمان، وما الذي سوف يدفع السعودية الى تغيير مباشر في نمط علاقاتها التقليدي مع روسيا.؟
اضف الى ذلك ضرورة البحث عن حجم الرغبة السعودية الحقيقية نحو الذهاب الى روسيا كحليف اقتصادي قبل ان يصبح حليفا سياسيا، وخاصة في قضية الطاقة وإنتاج البترول فكلا البلدين يهمه استقرار أسعار النفط وجلبها نحو الاعتدال في اقرب الفرص الممكنة.
وجود وزير البترول السعودي بجانب الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد يمنح المتابعين مؤشرات كثيرة حول هذه الزيارة وحجم التحولات الممكنة في العلاقة السعودية - الروسية، وإمكانية تكيف السعودية بمنهجها السياسي مع الرئيس بوتين.
السياسة السعودية غالبا ما تذهب الى روسيا من اجل ملفات بعينها بهدف تحريكها من اتجاه الى آخر، وتحديدا القضية السورية أو العلاقة بين ايران وروسيا أو الموقع الاستراتيجي لروسيا في المنطقة، في هذه المرة تتزاحم الطروحات والفرضيات حول ذهاب السعوديين الى روسيا.. ولعل لقاء رئيس الاستخبارات السعودية بالرئيس بوتين والذي حدث في نهاية شهر يوليو من العام 2013م شكل محورا مهماً في التمهيد لعلاقات اكثر تنوعا بين السعودية وروسيا وهذا يطرح السؤال الذي يقول من هي روسيا بالنسبة الى السعودية..؟
في العام 1926م وبعد اقل من شهرين على اعلان تأسيس المملكة العربية السعودية اعترف الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت بالسعودية كدولة مستقلة وهذا يعني اننا امام علاقة عمرها (89) عاما، تخللها الكثير من الأدوار المشتركة والتجاذبات السياسية والعلاقات التي مرت بكم كبير من التحولات، السعودية لم تلجأ يوما الى انهاء علاقتها بالاتحاد السوفياتي او روسيا كما هي اليوم رغم كل اسهامات القطبية السياسية التي ساهم الغرب في صناعتها في المنطقة على حساب الاتحاد السوفياتي، ومظاهر الحرب الباردة التي كانت باردة بالفعل في الغرب، ولكنها كانت عكس ذلك في منطقة الشرق الأوسط حيث كانت خطوط التماس السياسي بين القطبيين العالميين مشتعلة في دول الشرق الأوسط.
النظام السياسي في تكوينه الأيديولوجي والمجتمعي في زمن الاتحاد السوفياتي لم يكن متقبلا لدى الأنظمة العربية وخاصة في السعودية رغم كل العلاقات القائمة بين البلدين، وكان مرفوضا بشكل قاطع لذلك انتهج الاتحاد السوفياتي وحتى قبل سقوطه عدم فرض تكويناته السياسية على دول كثيرة في المنطقة العربية وتحديدا السعودية التي تمثل مركز الإسلام على المستوى الدولي.
العلاقات السعودية - الروسية بحاجة الى عمل مكثف يتناسب وإمكانات البلدين فمع أن العلاقات السعودية - الروسية ظلت متماسكة، الى ان الطموح الذي تحدث به مسوؤلو البلدين يشير الى رغبة أساسية نحو بناء علاقات سعودية - روسية تماثل في حجمها تلك القائمة بين السعودية ودول غربية كبرى، هذا الاتجاه يعني أن العامل الاقتصادي يقف في المقدمة
استمرت العلاقات السعودية مع الاتحاد السوفياتي رغم كل التباينات الواضحة في كثير من القضايا وفي ظل أزمات دولية كبرى ظلت السعودية متمسكة في هذه العلاقة مع الاتحاد السوفياتي سابقا ومع روسيا حاليا، وهذه الحقيقة تؤكد أن ذهاب السعوديين الى روسيا في هذا التوقيت نحو الاتحاد السوفياتي لا تعني تغييرا في علاقات السعودية المتعددة مع القوى العالمية فالسياسة السعودية تشكلت وفق نظرية الفرص المتعددة في كل مكان وليس نظرة الفرص الموجودة في مكان واحد او مع اتجاهات دولية واحدة.
العلاقات السعودية - الروسية بحاجة الى عمل مكثف يتناسب وإمكانات البلدين فمع أن العلاقات السعودية - الروسية ظلت متماسكة، الى ان الطموح الذي تحدث به مسوؤلو البلدين يشير الى رغبة أساسية نحو بناء علاقات سعودية - روسية تماثل في حجمها تلك القائمة بين السعودية ودول غربية كبرى، هذا الاتجاه يعني أن العامل الاقتصادي يقف في المقدمة ما يعنى تشكيل قوى اقتصادية تساهم في صناعة التوازن الطبيعي بالنسبة لأسعار الطاقة والتي لها اثر كبير في صناعة التحولات الجديدة في العالم.
العالم اليوم سياسيا يتغير بشكل متسارع وتشكل اللعبة الاقتصادية اثرا كبيرا على حالة العالم لذلك فإنه من الطبيعي ان تبحث الدول الفاعلة اقتصاديا وسياسيا عن مخرج مهم للبحث عن حلول ممكنة تعيد الطاقة الى وضعها الطبيعي من حيث الأسعار وحجم الإنتاج، ويبدو أن المركبة الاقتصادية وتحديدا البترول تساهم في إعادة تشكيل علاقات الدول ببعضها ولذلك من الطبيعي ان تذهب السعودية في علاقاتها نحو اتجاهات متعددة وذلك في محاولات جادة لخلق فرص سياسية تساهم في استقرار دولي للطاقة ومنتجاتها.
الجانب الأصعب في العلاقات السعودية - الروسية يكمن في دفع الموقف الروسي من القضية السورية ومن القضية الإيرانية، ومع ان هناك اتفاقا مبدئيا ظهر في تصريحات المسؤولين بعد زيارة ولي ولي العهد حول أهمية الحل السياسي للأزمة، الا انه هناك الكثير من القضايا التي تتطلب تفهما من الجانب الروسي حول تلك القضايا بالإضافة الى القضية اليمنية والازمة في العراق.
على الجانب الدولي تدرك روسيا انها تعاني من ازمة ثقة مع الغرب وتحديدا مع الولايات المتحدة الاميركية لذلك يهمها وبشكل كبير ان تكون علاقاتها مع دولة مثل السعودية ذات طابع مميز، فالسعودية في نظر روسيا تشكل الاطار الأساسي للسياسة العربية وهي محور مهم في صناعة جميع التحولات في المنطقة العربية بالإضافة الى دورها في تشكيل السياسة الدولية تجاه الكثير من القضايا، ولذلك فإن الموقف السعودي تجاه القضايا المعقدة في المنطقة وخاصة القضية السورية يشكل جانبا مهما ترغب روسيا في الاستماع اليه بشكل جدي، وتأخذه بعين الاعتبار، وقد تساهم المرحلة القادمة في القضية السورية نحو تسريع الحلول وإيجاد مخرج سياسي لهذه الازمة التي تعتبر نتائجها العسكرية من اكثر النتائج فظاعة في عالم الحروب حيث قتل في هذه الازمة اكثر من ربع مليون من الشعب السوري تقريبا.
اليوم وعندما يذهب السعوديون الى روسيا فهم يتحركون وفق دورهم القيادي في المنطقة ووفق فرص سياسية تتاح للدولتين ويعاد تشكيلها، فالحلفاء السياسيون على مر التاريخ في السياسة السعودية هم بحاجة الى أن يوضع بجانبهم حلفاء اقتصاديون، فالمعادلة السياسية اليوم ومع التحولات التي يشهدها العالم في تحول حلفاء السياسة في الغرب ساهمت في انتاج فرص لبناء حلفاء اقتصاديين فيما يخص انتاج الطاقة والمحافظة على انتاجها واسعارها الدولية بما لايساهم في تأثر الاقتصاد والحياة المجتمعية في منظومة دول انتاج الطاقة عالميا.