أحمد القثامي (السعودية)
بدأت في جنيف، وتحت رعاية أُمميّة، مؤتمر أطراف الصراع اليمنية، في محادثات غير مباشرة، يعقدها مبعوث الأمم المتحدة لليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وصولا إلى التفاوض المباشر بين تلك الأطراف، في ظل ظروف بالغة القسوة، يعيشها الشعب اليمني، والذي ذكرت منظمات إنسانية أنّ 20 مليون يمني بحاجة للمساعدة العاجلة، فالمؤتمر الذي تأجل بعد دعوة الأمم المتحدة إلى انعقاده في 28 مايو/أيار الماضي، لرفض الحكومة الشرعية له، إلا بعد امتثال الحوثيين لقرار مجلس الأمن 2216، والذي يلزمهم بالانسحاب من جميع المدن وإعادة السلاح الثقيل المملوك للدولة، فيما جاء رد الحوثيون أن مشاركتهم مرتبطة بإيقاف غارات التحالف، غير أنّ الضغوط الأميركية على الحكومة الشرعية، وعلى السعودية، أفضت إلى قبول المشاركة واعتبار المؤتمر تشاورياً لا تفاوضياً. وعلى الطرف الآخر، قبِل الحوثيون، وأتباع المخلوع علي عبدالله صالح، بعد اجتماع أميركي حوثي في عُمان، يبدو أنه حمل ضمانات معينة. إضافة إلى ضغط آخر، يتمثل في حالة الإنهاك العسكري وخسارة قدر كبير من مخزون الأسلحة، بفعل غارات التحالف وانقطاع الدعم الإيراني نتيجة الحصار، وعلى الضفة الأخرى، تجد الحكومة الوضع الكارثي الإنساني، ونقص المواد التموينية والطبية، والقصف العشوائي للانقلابيين الذي يسقط جرّاءه عشرات الضحايا من المدنيين يومياً، عامل ضغط عليها. سيذهب الحوثيون إلى جنيف، رغبة في تحقيق تفاهم واتفاق، لكن المشكلة ستكون في شكل هذا الاتفاق، فقد أدمج الحوثيون 20 ألف من عناصر مليشياتهم في الجيش والشرطة، وأقحموا عناصر موالية لهم، وللمخلوع صالح، في إدارة شركة النفط الوطنية ووزارة البترول، بما يعني أن تصورهم لأي تسوية سياسية يستوجب إشراكهم في السلطة، وتمكين أتباعهم من العمل في مؤسسات الدولة، وذلك في مقابل انسحابهم، وإعادة بعض السلاح الثقيل إلى الدولة، إلا أنهم سيحققون الأهم، وهو اعتراف دولي بهم بأنهم جزء من السلطة في اليمن، وذلك سيكون بمباركة أميركية بالتأكيد، كأحد مظاهر التحالف الأميركي الإيراني، حتى وإنْ حمل المشهد غرائبيةً، تثير كل أنواع الاستفهام، حين تصمت أميركا عن الأعمال الإجرامية للمليشيا الدينية الشيعية المتطرفة، ولا تصمها بالإرهاب، مثل نظيراتها السنية، بل تجد فيها شريكاً فاعلاً في مهاجمة داعش في العراق، وربما محاربة القاعدة في اليمن مستقبلا. لن تكون عودة الحكومة اليمنية إلى صنعاء غاية في حد ذاتها، ما دفع الحكومة إلى الإشارة إلى أن لقاء جنيف تشاوري لتنفيذ القرار الأُممي، وأن أي تفاهم سينبني على المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني، كما جاء بيان مجلس التعاون الخليجي الذي أفاد بأنّ مؤتمر جنيف لقاء يمني-يمني، وأن ما يُهم الخليج هو أمنه القومي.
ويوحي ذلك كله بأن مؤتمر جنيف لن يُكتب له النجاح، فهو بمثابة فخ للسعودية، والتي إن قبلت بأي اتفاق يشرعن مشاركة الحوثي وأتباع المخلوع في السلطة، فسيكون ذلك إخفاق استراتيجياً وفشلاً ذريعاً للحملة العسكرية للتحالف الذي قادته الرياض، بل هو بمثابة تحجيم للدور السعودي في المنطقة. قطعاً ليس المطلوب استمرار الحرب في اليمن، والتي لم يدفع كلفتها الباهظة سوى المدنيين الأبرياء، على أنْ ذلك لا يعني القبول بجماعة عاثت فساداً وقتلاً وإرهاباً لليمنيين في السلطة، فالمرجو المفترض أن تعود الأمور إلى سياقها الطبيعي، حيث يكون الحق لكل اليمنيين بالمشاركة في صناعة مستقبلهم، في ظل دولة مؤسسات متحررة من العقلية الطائفيّة والقبليّة، لا ترتهن لإرادة خارجية.
العربي الجديد