محمود الريماوي
تنعقد المباحثات في جنيف ابتداءً من اليوم الاثنين كما هو مقرر بين الحكومة اليمنية والانقلابيين برعاية الأمم المتحدة. الأجواء قبل بدء المباحثات لا تبشر بالكثير، فالانقلابيون يبحثون فقط عن وقف لإطلاق النار يتيح لهم التقاط الأنفاس ومحاولة تجميع قواهم من جديد، إن استطاعوا ذلك، فيما تسعى الحكومة اليمنية إلى تنفيذ القرارات الدولية وعلى الأخص القرار 2216 والالتزام بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني. وقد حاولت طهران بطريقتها التدخلية المعهودة المشاركة في هذه المباحثات، إلا أن الأمم المتحدة الراعية للمباحثات شددت على أن الحوار بين اليمنيين فقط، وقد رشح في الأنباء فيما بعد أن الانقلابيين سوف يستعينون بمستشارين إيرانيين من خلف الكواليس وكما هو النهج الدائم لهؤلاء وخاصة الحوثيين.
المباحثات سوف تتم بصورة منفردة مع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى اليمن، الذي يسعى إلى جمع الأطراف في نهاية المطاف على مائدة واحدة. غير أن مجمل سلوك الانقلابيين يدل على أنهم يسعون مجدداً للالتفاف على إرادة الشعب اليمني وعلى الإرادة الإقليمية والدولية تحت شعارات خادعة من قبيل التفاوض من دون شروط. والشروط المقصودة هي المرجعية الدولية والمبادرة الخليجية بحيث تبدأ المباحثات من نقطة الصفر تقريباً، وبما يمكن هؤلاء من كسب مزيد من الوقت خاصة إذا ما تم التوصل إلى اتفاق ما لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية (هدنة في شهر رمضان مثلاً).
في هذه الأثناء دأب الانقلابيون على استهداف المدنيين بالقصف الوحشي وتهديد رجال الصحافة واختطاف رموز سياسية واجتماعية وتصفية بعضهم، بما يكشف عن الطبيعة «الثورية» المزعومة لهؤلاء، أما الهدف من عمليات التنكيل والترويع التي يمارسونها فهي محاولة إشاعة انطباع لدى الرأي العام اليمني وفي الخارج، بأن عملية «عاصفة الحزم» وما تبعها من عملية «إعادة الأمل» هي المسؤولة عن اضطراب حبل الأمن، علماً بأن هذه الممارسات الشائنة للانقلابيين هي سابقة على اندلاع «عاصفة الحزم»، وكل ما في الأمر أن نطاقها قد اتسع ووتيرتها قد زادت، بعد الاستجابة الخليجية والعربية لنداء الشرعية اليمنية بالتدخل لوقف مفاعيل الانقلاب المدعوم من طرف إقليمي والذي يهدد دول الجوار.
الأجواء القاتمة السابقة على هذه المباحثات دفعت قوى المقاومة اليمنية في الداخل في الشمال والجنوب للدعوة إلى مقاطعة هذه المناسبة، وذلك استناداً إلى خبرة هؤلاء المقاومين ومن خلفهم الشعب اليمني بأساليب الخداع والتدليس التي يستخدمها الانقلابيون لذر الرماد ومحاولة استكمال انقلابهم بما يجعل من التباحث معهم مهمة محفوفة بالمحاذير. وقد اعتبر هؤلاء المقاومون حوار جنيف «مضيعة للوقت وفرصة للحوثيين لإنزال مزيد من القتل والدمار». والمقصود بذلك هو سعي الانقلابيين لتلميع صورتهم بادعاء حرصهم على الحوار مع استغلال أجواء الحوار لمواصلة انتقامهم من شعبهم بأبشع الوسائل وأشدها دموية لرفضه انقلابهم المقيت.
مع ذلك واحتراماً للشرعية الدولية فإن المباحثات متجهة للانعقاد بعد أن تم إرجاؤها من الأحد إلى اليوم الاثنين. وبالتأكيد فإن العملية العسكرية سوف تتواصل في الأثناء ضد الانقلابيين، كما أن جهد المقاومة لن يتوقف في التصدي لهؤلاء، إضافة إلى مظاهر الحراك الشعبي المتنامي في مناطق عدة كان من أبرزها في الأيام الأخيرة ما شهدته محافظة إب.
وسوف تُلقى على عاتق المبعوث الأممي الذي يرعى المباحثات مهمة حمل الانقلابيين على الالتزام بالقرارات الدولية، والشروع بتنفيذها من أجل تسهيل التوقف لإطلاق النار، والحؤول دون سعي هؤلاء لكسب الوقت بالمماطلة والمناورة، أو محاولة فرض أجندة خاصة بهم على المباحثات من قبيل تشكيل حكومة ائتلافية موسعة يشاركون بها تشرعن ضمنيا ما ارتكبوه، إذ إن مدار التباحث لا بد أن يدور حول وقف مفاعيل الانقلاب، وإعادة جميع الأسلحة والمُعدات والمقارّ والمعسكرات، وكذلك مقتنيات الدولة التي نهبها الانقلابيون، وعودة الحكومة الشرعية إلى صنعاء وعدن وصعدة وسائر المناطق اليمنية، بما يطوي عملياً صفحة الانقلاب الأسود، ويفتح الباب أمام إعادة إعمار البلاد.
في هذه الغضون فقد لوحظ أن دول مجلس التعاون الخليجي على يقظة تامة حيال التوقعات المنخفضة للمشاورات اليمنية - اليمنية في جنيف، حيث أكد المجلس «عزمه الحفاظ على الأمن القومي والاستراتيجي لدول في حال فشل هذه المشاورات»، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية القطري الدكتور خالد العطية خلال مؤتمر صحفي حول اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون في الدورة 135 بمطار القاعدة الجوية في الرياض الخميس الماضي. والرسالة هنا هي رفض استخدام مشاورات جنيف كمناورة ومناسبة إعلامية من قبل البعض للتنصل من الالتزامات والموجبات الملقاة عليهم تحت غطاء الحرص المزعوم على الحوار، أو السعي الزائف لحل سياسي موهوم.
واقع الحال أن هذه اليقظة إزاء مناورات الانقلابيين ومن هم وراءهم، وتمسك المقاومة الشعبية اليمنية بخيار مواجهة الانقلابيين إلى النهاية دفاعاً عن قضية الشعب اليمني وحقه في تقرير المصير، هو ما يقطع الطريق على المناورات، وعلى التدخلات الأجنبية الفظة، وهو ما يكفل سلامة اليمن واليمنيين، ويضمن استقرار الإقليم بعيداً عن الأجندات التوسعية للبعض، وهو ما يلاقي أوسع دعم وتأييد من العالم العربي والإسلامي ومن المجتمع الدولي ومن الأمم المتحدة.
*نقلا عن جريدة الخليج