عبد الحكيم هلال
بعد جدل نجم عن تباين في المواقف والاتجاهات، قررت الأطراف اليمنية الرئيسية المعنية بالصراع الدائر في البلاد منذ أكثر من شهرين، حضور مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة، تحت ما يعتقد أنه مطلب وضغط دولي.
ومن المقرر، بحسب ما أعلنه الأمين العام بان كي مون في السادس من شهر يونيو/حزيران الجاري، أن ينعقد ما أطلق عليه "مؤتمر السلام" الخاص باليمن في العاصمة السويسرية جنيف في 14 من هذا الشهر.
وتأتي تلك الموافقات، وهذا الإعلان الأممي الرسمي، المحدد لموعد انعقاد المؤتمر الدولي، على الرغم من أن الجدل بشأن الأسس والتفاصيل التي سينعقد على ضوئها المؤتمر لم تكن قد حسمت بشكل نهائي.
طبيعة الخلافات القائمة
في وقت سابق على نهاية شهر مايو/أيار الماضي، كانت الأمانة العامة للأمم المتحدة، أعلنت عبر أحد ناطقيها الرسميين أن مفاوضات جنيف بين الأطراف اليمنية ستنعقد في 28 من الشهر الماضي، إلا أن هذا الموعد تم إرجاؤه لاحقا بعد اعتراضات الجانب الحكومي اليمني الذي هدد حينها بأنه قد لا يشارك، أولا: لعدم إبلاغه رسميا، وثانيا- وهو الأهم: قبل أن تطبق مليشيات المخلوع صالح والحوثيين قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2216.
وينص هذا القرار على جملة إجراءات تنفيذية، بينها انسحاب المسلحين الحوثيين من المدن التي سيطروا عليها مؤخرا وتسليمها للدولة الشرعية مع الأسلحة التي تم نهبها، وتمكين الرئيس المنتخب والحكومة الشرعية من العودة إلى صنعاء لممارسة مهامهم.
وحينها لم يكن جانب الرئيس اليمني وحلفاؤه هم فقط من لديهم تحفظات على المشاركة قبل تنفيذ مطالبهم، فجماعة الحوثي المسلحة هي الأخرى، وفقا لمعلومات صحفية متواترة ومتطابقة، اشترطت البدء أولا بإيقاف الضربات الجوية لقوات التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، كشرط أساسي لبدء المفاوضات.
كما لم تكن تلك المطالب هي كل شيء، بل برزت تباينات أخرى بشأن المرجعيات والأسس التي يتوجب أن تقوم عليها هذه المفاوضات. وفي هذا السياق تفيد المعلومات بأن المشاورات الأولية التي أجراها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد -لا سيما خلال زيارته الأخيرة إلى صنعاء في الفترة من 29 وحتى 31 مايو/آيار الماضي، وتوجهه بعدها إلى الرياض ليومين- أظهرت خلافات كبيرة في هذا الجانب.
فجماعة الحوثي من جهتها كانت تصر على تضمين "اتفاقية السلم والشراكة الوطنية" باعتبارها إحدى المرجعيات خلال المفاوضات القادمة، (وقعت هذه الاتفاقية من كافة الأطراف السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، بينها جماعة الحوثي، في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، ليلة اجتياح الحوثيين صنعاء).
ولقد واجه هذا المطلب اعتراضا ورفضا شديدين من طرف الرئيس هادي، ومعه مجلس التعاون الخليجي كما قيل. وحيث إنهم قد اعتبروا أن تلك الاتفاقية قد وقعت تحت الضغط والإكراه، فقد اشترطوا من جهتهم أن يقتصر التفاوض على ثلاث مرجعيات رئيسية فقط، هي: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي.
تمهيد الطريق إلى جنيف
وفي وقت لاحق على ظهور تلك التباينات، تواصل المبعوث الأممي مع طهران، ثم توجه بعدها إلى العاصمة العمانية (مسقط) للقاء القيادات الحوثية هناك، حيث كانت تخوض لقاءات يومية مع الجانب الأميركي بحضور أطراف أخرى لم تتم تسميتها، إلا أنها وصفت أنها ذات صلة بالأزمة اليمنية.
وعقب ذلك اللقاء أعلن رسميا عن موافقة الجانبين (الحكومة اليمنية المتواجدة في الرياض، وجماعة الحوثي) على المشاركة في مؤتمر جنيف بدون شروط مسبقة.
وفي هذا السياق، أكد ولد الشيخ -ضمن مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة في السابع من يونيو/حزيران (حيث كان يتواجد في الدوحة للتفاوض بشأن الإعداد لمحادثات جنيف)- أن جميع الأطراف أبدت مرونة أثناء المفاوضات التي أجراها معها، بما في ذلك جماعة الحوثي التي أبدت الموافقة على حضور مناقشات جنيف دون شروط مسبقة.
وبشأن المرجعيات التي ستستند إليها تلك المحادثات، حسم المبعوث الأممي الأمر بالمرجعيات الثلاث التي طالبت بها الحكومة اليمنية، وهي: المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي.
وبخصوص حل الإشكاليات الخاصة بمطالب الحوثيين بوقف إطلاق النار قبل حضور جنيف، مقابل مطالبة الحكومة اليمنية بضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2216 قبل الدخول في المحادثات الأممية، أوضح ولد الشيخ أنه يمكن التفاهم على حل وسط يتمثل في البدء أولا بوقف إطلاق النار كي يتسنى بعد ذلك العمل على تنفيذ بنود قرار مجلس الأمن (2216).
وعقب لقائه في مسقط ممثلين قياديين عن جماعة الحوثي، مطلع الشهر الجاري نسبت وكالات أنباء دولية -بينها "فرانس برس"- لمصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة قولها إن ولد الشيخ تلقى وعودا من الحوثيين تتعلق بقبولهم تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216.
إزالة العقبات
حسب ما سبق أعلاه، فإن الأمم المتحدة -وبضغط من المجتمع الدولي كما يعتقد- قد نجحت في انتزاع موافقة الأطراف المعنية بالصراع اليمني على المشاركة في محادثات السلام في جنيف في الموعد المحدد مؤخرا من جهة الأمين العام للأمم المتحدة (14 يونيو/حزيران) الجاري.
وعلى الرغم من تطمينات المبعوث الأممي السابقة بالتوصل إلى حلول أولية للخلافات، فإن التصريحات التي ترافقت مع/أو أعقبت إعلانات الموافقة على المشاركة من طرفي النزاع، ما زالت توحي بأن ثمة أشياء غير جيدة تختفي وراء الأكمة.
وأكد مسؤولون حكوميون يمنيون -بينهم القائم بأعمال وزير الإعلام اليمني والناطق الرسمي للحكومة اليمنية- في تصريحات متطابقة، أن اجتماعات جنيف لن تكون للحوار، بل للتشاور في كيفية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216. مع أن هذا في حد ذاته يعد تراجعا واضحا عما كانت عليه في السابق، حيث كانت ترفض المشاركة قبل التنفيذ الكلي للقرار.
من جانبهم، أشار الحوثيون -عبر تصريحات نشرتها الوكالة الفرنسية لعضو المكتب السياسي للجماعة ضيف الله الشامي- إلى أنهم "رحبوا بدعوة الأمم المتحدة للذهاب إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة"، مشددا على أنه "ليست لديهم أي شروط.. ولا يقبلون أي شروط"، وأنه "إذا كان لأي طرف شروط فليضعها على طاولة الحوار". في إشارة يعتقد إلى أنها توحي بوجود معلومات لدى الجماعة بشأن إصرار الحكومة على ضرورة بدء تنفيذ قرار مجلس الأمن المذكور، أو حتى بعض بنوده الملحة قبل الذهاب إلى طاولة حوار جنيف، وعلى رأسها بشكل خاص الانسحاب من المدن التي سيطروا عليها منذ انقلابهم مطلع العام.
وفضلا عن ذلك، استجدت إشكالية أخرى قد تعمل على تعقيد التوافقات المعلنة لحضور جنيف، حين صعدت مليشيات الحوثي -بمساعدة قوات من الحرس الجمهوري التابعة للمخلوع صالح- معاركها مع السعودية على حدودها الجنوبية، محاولة في الخامس من الشهر الجاري اقتحام بلدات سعودية حدودية وإطلاق صواريخ سكود على قاعدة الملك خالد الجوية بخميس مشيط، ورد الجانب السعودي على الهجوم.
وإثر ذلك، سارعت الأمم المتحدة للحفاظ على منجزها عبر إعلان أمينها العام للموعد الرسمي لمحادثات جنيف، وذلك بعد ساعات من هذا الهجوم، بهدف تثبيت المحادثات ومنع أي مضاعفات سلبية محتملة قد تقضي على المنجز.
وقد تنوعت وتباينت التفسيرات بشأن أهداف هذا التطور المفاجئ، والجهة المستفيدة منه، لا سيما أنه جاء مباشرة في أعقاب التوصل إلى موافقات معلنة من أطراف النزاع لحضور محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة.
ما بعد جنيف
وفي نهاية المطاف، فإنه حتى في حال تفاءلنا بانتهاء كل تلك الإشكاليات بصورة كلية خلال الفترة المتبقية من الموعد المحدد لانعقاد المحادثات، فإن الأمر لن يخلوا من تشاؤم بشأن قدرة جنيف على إنهاء الأزمة وإيقاف الاحتراب الداخلي بشكل دائم وإعادة الأمور إلى نصابها، على الأقل حتى ما قبل 21 سبتمبر/أيلول العام الماضي قبل اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء.
وتعزيزا لذلك، كان المتحدث الرسمي للحكومة اليمنية راجح بادي أعرب في تصريحات صحفية قبل أيام عن مخاوف الحكومة بشأن عدم موثوقية الحوثيين في تنفيذ الاتفاقيات. وقال مؤخرا في تصريحات لصحيفة الرياض السعودية "من خلال تجربتنا المريرة مع الحوثيين في كل اللقاءات والاتفاقيات التي تمت معهم لا نتفاءل كثيرا لمعرفتنا بأنهم لا ينفذون أي شيء منها"، مستدركا "لكن مؤتمر جنيف سيكون للتنفيذ وليس للحوار، وإذا كان المجتمع الدولي جادا في تنفيذ القرارات الصادرة عنه وإعادة الأمور إلى نصابها فعليه بدء خطوات عملية لتنفيذ القرار الدولي".
وفي سياق مشابه، يعتقد المعارضون لتحالف صالح-الحوثي أن مفاوضات جنيف لن تكون أفضل حالا من مؤتمر الحوار الوطني أو المفاوضات السياسية اللاحقة التي عقدها ممثل الأمم المتحدة السابق جمال بنعمر بين القوى السياسية والحوثيين في موفنبيك بالعاصمة صنعاء، قبل الانقلاب الحوثي الأخير، أو حتى مقررات مجلس الأمن الدولي.
فإذا كانت جميع تلك المحطات السابقة قد أديرت تحت رعاية الأمم المتحدة وإشراف المجتمع الدولي، وفي ظل أوضاع سياسية وأمنية أقل توترا وأكثر مواتاة لبلوغ الحلول، حتى أنها قطعت أشواطا كبيرة، فما الذي يمكن أن يعول عليه في جنيف، في ظل وضع احترابي أكثر تعقيدا كهذا الذي تمر به البلاد اليوم، والذي لم تتعمق فيه الانقسامات الداخلية فحسب، بل سيطرت عليه الانقسامات والمصالح الإقليمية والدولية؟
على أن ثمة متغيرا واحدا فقط، يمكن أن يشكل عاملا مؤثرا في جنيف، يتجسد في ذلك العمل العسكري الخارجي الذي قامت به قوى التحالف العربي العشري بقيادة المملكة العربية السعودية، جنبا إلى جنب مع ما حققته المقاومة الشعبية من متغير رئيسي على الأرض أعاق إلى حد كبير أهداف وتوجهات مستثمري الحروب الداخليين والخارجيين.
ومن المرجح على نحو كبير أن يكون هذا المتغير هو ما أفضى إلى إجبار ذلك التحالف الداخلي والخارجي المدمر للبحث عن طاولة جديدة للحوار، من شأنها أن تعمل على إبقائه حيا في الحياة السياسية القادمة. وذلك بالطبع أفضل له من القضاء عليه كليا وإخراجه من مستقبل البلاد بفعل القوة، تلك التي شكلت له ملجأ حصينا في البداية، فتحولت تدريجيا إلى قبر أوشك (هذا التحالف) أن يدفن فيه.
* نقلا عن الجزيرة نت