عبدالهادي بن نايف السلمي
يعلم الدارسون للعلاقات الدولية كيف أن مبدأ توازن القوى في أي منطقة يساعد في الحفاظ على درجة عالية من السلم ويجعل الحلول غير العدائية ومسألة اتباع القوانين والمواثيق الدولية هي الخيار الأفضل المطروح على الطاولة لكل الأطراف ويُبعد مسألة حل النزاعات وفق مبادئ العنتريات والتنمر.
إن المملكة العربية السعودية لطالما حملت هم الأمة العربية والإسلامية ولم تُبق جهداً إلاّ وبذلته في تحقيق ما فيه الاستقرار والأمن وعودة الحقوق لأهلها في المنطقة. وقد تزعزع ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط عموماً وبالمنطقة العربية خصوصاً، نتيجة للأحداث التي عصفت بالمنطقة، والتي أدت إلى خروج دول عربية كبرى مركزية من المعادلة (بسبب احتلال أو ثورات داخلية)، حيث أصبحت ساحة للتطرف وللحروب الأهلية وتصفية الحسابات بين كثير من القوى الإقليمية والدولية. واستغلت بعض الدول التي تحمل أيديولوجيات توسعية واستعمارية، وعلى رأسها حكم الجمهورية الإيرانية المتطرف، الفراغ الاستراتيجي الموجود في تلك الدول وفي المنطقة، وسرعت بمد نفوذها ونشر ميليشياتها السرطانية للتحكم في مفاصل تلك الدولة والسيطرة على قرارها، بل وتفتيتها كما تفعل في سوريا والعراق ولبنان وأخيراً اليمن.
وقد جاءت عاصفة الحزم لإعادة الأمل والتصدي لمخططات الطامعين في المنطقة العربية، فوقفت بحزم مع حكومة اليمن الشرعية ومقاومته الشعبية لوقف تمدد المتمردين ودحرهم إلى جحورهم وردهم إلى جادة الصواب، والهدف ليس التطهير المذهبي – لا سمح الله – ولكن لإجبارهم على العودة للدولة والأساليب الديموقراطية. والمضحك أن الحوثيين الذي يرفعون رايات الموت لإسرائيل ويتغنون بها، وإيران نفسها التي تدعمهم وتسيرهم، لا يختلفون كثيراً في الحقيقة عن سلوك إسرائيل التي تقوم بالخروقات لسيادة الدول العربية والتي تخل بكثير من الاتفاقيات الدولية التي تعطي بعض الحقوق للشعب الفلسطيني وحكومته.
وبحكم الظروف والواقع أصبحت السعودية الأمل للكثير من الشعب العربي المضطهد المقهور، ورأس الحربة في مواجهة عدم الاستقرار والانتقاص من سيادة بعض الدول العربية، تدعمها في سياستها ومساعيها دول عربية شقيقة كثيرة، كالإمارات والبحرين وقطر والكويت ومصر والمغرب والأردن. وحتى مع وجود الدعم العربي وإيجاد القوات المشتركة، فالمهمة كبيرة وشاقة، خاصة لدول تحترم المواثيق الدولية ولا تلجأ لاستخدام الأساليب غير النظامية، من هنا تأتي فكرة تعزيز التحالف بين عدة قوى عربية وإقليمية وإسلامية ودولية، تتوجس من نفس الهموم التي تثير قلق المملكة وتحمل نفس الخطوط العريضة لسياستها في معالجة أزمات المنطقة، وذلك لخلق توازن قوى يحقق الاستقرار والتنمية.لكن ماهي الدول المرشحة لتكون في هذا الحلف مع المملكة؟
جمهورية مصر العربية الشقيقة هي المرشح الأول لمكانة مصر على الصعيد العربي والإسلامي و الإفريقي، فرغم الأزمات وصعوبة الحالة الاقتصادية التي تعيشها حالياً، تظل مصر دولة مؤثرة في المنطقة وذات قدرات عسكرية وبشرية كبيرة؛ والباكستان مرشح قوي جداً ليكون من ضمن الحلف لعدة اعتبارات دينية وتاريخية وعسكرية وبشرية وهي حليفة للمملكة منذ نشأتها؛ وتركيا أيضاً مرشح أساسي، فهي دولة فاعلة في المنطقة وعضو في حلف شمال الأطلسي وهي تملك قدرة عسكرية وقوة اقتصادية وصناعية متصاعدة؛ وماليزيا مرشحة مهمة لقدرته الاقتصادية العالية ولمعارضتها للسياسة الإيرانية التوسعية.
هذا الحلف لديه فرصة كبيرة لكسب التوازن في المنطقة ولكن لتعزيز قوته أكثر فإنه يحتاج لداعم دولي و الأقرب لتحقيق هذا الدور على الصعيد الدولي دولة فرنسا لتميزها بعلاقات متينة مع المملكة ودول الخليج، و للتوافق الكبير بينها وبين المملكة في الملف السوري واللبناني، كما أن لها نظرة معتدلة للكثير من القضايا الدولية والإنسانية بالإضافة أنها قوة عسكرية وعضو دائم بمجلس الأمن، والمملكة العربية السعودية بسياستها الحكيمة تستطيع أن تلعب دورا محوريا يحقق التوازن والتوافق بين أطراف هذا الحلف.
ولا يفهم من هذا الحلف أنه يعمل لمصلحة جهة معينة دون أخرى، بل المأمول منه أنه يحقق الاستقرار والتنمية ويحمي مصالح جميع دول المنطقة، ويملأ الفراغ الاستراتيجي الموجود والمسبب لتراكم كثير من المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية.
لقد بدأت بوادر هذا الحلف مع عاصفة الحزم، ونرجو أن يفعّل أكثر على الأرض، وأن تنضم إليه في المستقبل القريب دول إسلامية أخرى متضررة من توسع النفوذ الإيراني وما يسببه من حرائق تعصف باستقرار وسلام المنطقة، كأذربيجان وإندونيسيا وبعض دول أفريقيا.
،نقلا عن الرياض،