علي ناجي الرعوي
توقفت طويلاً أمام الصورة التذكارية التي نشرت للقيادات السياسية والحزبية والإدارية والمدنية والاجتماعية اليمنية التي شاركت في مؤتمر (إنقاذ اليمن) الذي انعقد بالعاصمة السعودية الرياض الشهر الماضي.. توقفت امام ابتسامات اولئك القادة وكذا تنافسهم على الظهور في القنوات الفضائية ومواقع التواصل والأحاديث التي اطلقوها في ختام مؤتمر الرياض ومن ذلك النوايا الصادقة التي عبر عنها البعض حيال حرص الجميع على عدم انزلاق اليمن الى واقع شبيه بواقع دول تحتدم فيها الحروب والصراعات والفتن الطائفية والمذهبية كسورية والعراق.. لكن ما لفت نظري وربما الكثير غيري ان يكون غالبية من تصدروا تلك الصورة وصفوفها الامامية تحديدا هم في معظمهم ان لم يكن جلهم هم انفسهم من تسيدوا المشهد السياسي اليمني خلال السنوات الاربع الماضية وأسهموا الى جانب غيرهم في فشل العملية الانتقالية وسقوط اليمن الى قاع الدول الفاشلة والهاوية السحيقة التي تكاد ان تلقي بهذا البلد في زاوية مظلمة اخطر ما فيها اليوم هي حالة الاقتتال الداخلي وما ينبت عنها من الاحقاد والضغائن والتداعيات العميقة التي يصعب تقدير ابعادها او حتى التنبؤ بما ستتمخض عنه من اخطار على الواقع الاجتماعي والوطني.
لذلك فقد كان من المتوقع من اولئك الذين حضروا مؤتمر الرياض كما هو الأمر مع غيرهم هو عدم التنصل عن (المسؤولية الذاتية) فيما كان عليه اليمن وما هو فيه اليوم وما يمكن ان يصل اليه من جهة ثالثة في المستقبل اذ انه ومهما كانت مسؤولية جماعة الحوثي ومن تحالف معها عما حدث فان مسؤولية كافة القوى اليمنية بأحزابها الاسلامية والاشتراكية والناصرية والليبرالية وغيرها تبقى هي الاكبر والاهم وان بدرجات متفاوتة بل ان الاطراف الرئيسية التي قادت حركة الشارع عام 2011م بهدف التغيير هي من تتحمل الوزر الاكبر عن كل ما اصاب اليمن من الكوارث والمحن وذلك حينما جعلت اهتمامها يتركز في تبادل الادوار والمناصب وتقاسم السلطة وهو ما ترك الامور تمضي قدما نحو الفشل.. فشل في إدارة الدولة وفشل في احتواء التوتر السياسي وتجلياته الامنية والاقتصادية وفشل في بلورة بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية على ارض الواقع كخارطة طريق وطنية وإقليمية ودولية للانتقال الى الوضع المستقر لينتهي بها المطاف الى الفشل ايضا في صوغ أي تصور عن المستقبل يفضي بالجميع الى الالتزام بمخرجات الحوار الوطني التي جرى التوافق عليها بعد عشرة اشهر من النقاشات والتجاذبات في الرؤى والأفكار افرغ فيها كل طرف ما في جوفه من الاجندات الخاصة به.
وأمام المعطيات والحقائق التي رافقت الحراك اليمني منذ فبراير 2011م وحتى اللحظة الراهنة فان أيا من القوى السياسية او الحزبية لم يعترف عمليا بمسؤولياته عما جرى وانما على العكس من ذلك فقد اتجه كل طرف الى تحميل غيره تبعات الانهيارات التي حاقت بمؤسسات الدولة وأدت الى التصاعد السريع للقوة الحوثية وتمددها على معظم مناطق اليمن مما فتح شهية ايران على الملعب اليمني التي سعت الى القفز اليه بقوة رغبة منها في تطويق الخليج من الناحية الجنوبية بعد ان نجحت من تطويقه من الجهة الشمالية ومن المؤسف حقا ان نجد تلك القوى السياسية اليمنية وبعد كل ما حدث مازالت تتعامى عن اخطائها وخطاياها ازاء ما يعانيه اليمن اليوم من توترات وتصدعات وانفجارات عنيفة عن طريق لعبة التذاكي على البسطاء من ابناء شعبها وذلك بشكل مشوه وممقوت يشي تماما الى ان هذه القوى لم تتعلم من تجاربها ودروس الماضي وانها التي تبدو غير حريصة على الخروج من شرنقتها وتحمل مسؤوليتها ولما من شأنه تصحيح مواقفها في اطار مراجعة جادة وتقويم نقدي جريء لتجربتها غير السوية خلال السنوات الاربع الماضية على الرغم من ان ذلك لا يعطيها الحق في ان تكون خارج المساءلة ولا يمنحها المبررات للاستمرار في التلاعب بمصير وطنها او إطلاق رصاصة الموت على رأسه.
فمتى تدرك كل القوى اليمنية الفاعلة بالمشهد حقيقة انه اذا ما عمت الفوضى واختلط الحابل بالنابل فان اليمن هو من قد يتحول الى غابة من الصراع تصب حممها فوق رؤوس الجميع ولن تنجو تلك القوى التي لم تكترث لمصير شعبها وما آلت اليه احواله من بؤس وجوع وفقر من لهب ذلك الحريق الكبير.
/نقلا عن الرياض/