طلال عبدالكريم العرب
لا شك في أن اليمن، وعلى مر تاريخه الضارب في عمق التاريخ، كان الخزان البشري العربي لجزيرة العرب والعراق وسوريا وكل شمال أفريقيا، ليس ذلك فقط فوجودهم مؤثر في كثير من الدول الآسيوية، كسنغافورة وماليزيا وأندونيسيا، وكان للحضارمة النصيب الأكبر من هذا الانتشار الانساني والثقافي.
فكثير من الناس لا يعلمون أن لليمنيين عامة، وللحضارمة خاصة، تواجداً في مصر منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، فقد استقر الكثيرون منهم في أرض الكنانة، خلال الهجرات اليمنية الثلاث الكبرى التي تلت انهيار سد مأرب، والمجاعات التي عمت اليمن في تلك الحقبة من الزمن، ثم زادت أعدادهم في مصر خلال الفتوحات الإسلامية لشمال أفريقيا، فقد كان لهم السبق في المشاركة في الفتوحات الإسلامية، وأولها فتح مصر على يد عمرو بن العاص.
وقد لا يعلم الكثيرون أن للحضارمة الذين استقروا في أرض مصر، التي احتضنتهم واعزتهم، أن لهم مكانة خاصة في قلوب المصريين منذ القدم، وتحديدا في سلك القضاء، لما اشتهروا به من نزاهة وأمانة وصدق.
فقد كتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان يستشيره في عمن يوليه القضاء على مصر، فأجابه معاوية: «لا تولين القضاء والمال في مصر إلا لحضرمي، فإنهم أهل أمانة»، حتى بلغ عدد القضاة الحضارمة في مصر ثمانية عشر قاضياً، ولا تزال حتى يومنا هذا مقبرة في باب الوزير بالقاهرة تسمى مقبرة القضاة الحضارم.
ومن أشهر الحضارمة الذين تولوا القضاء في مصر يونس بن عطية الحضرمي، الذي هاجر في صدر الاسلام مع أبيه وأعمامه في مئة راكب، وكان ذلك في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه وأرضاه، فقد كانوا من كبار التابعين، وممن أنجبه الصحابة الفاتحون.
وقد قال الشاعر في ولاية القضاة الحضارمة:
«لقد ولى القضاء بكل أرض
من الغر الحضارمة الكرام
رجال ليس مثلهم الرجال
من الصيد الجحاجحة الضخام».
حفظ الله تعالى اليمن وأمتنا العربية من كل مكروه، ورد كيد المعتدين على بلادنا الى نحورهم.