الأرشيف

مخاتلة (عاصفة سلمان في الحرب على الإرهاب)

الأرشيف
الاثنين ، ٢٥ مايو ٢٠١٥ الساعة ٠٢:٣٠ مساءً

جاسر الجاسر


«إن كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة البشعة سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة، وسينال عقابه الذي يستحقه».

 

هذا إعلان حرب عاصفة على الإرهاب، تستهدف بقوة جذره الكامن في المساندة والتعاطف، بما تشكله البيئات المحرضة والمشجعة من وقود حقيقي للإرهاب يفوق خطر التنظيمات والجماعات، إن لم يكن نبضها ومصدر تمويلها بالكوادر الجديدة.

 

ظهر أمس كانت هذه البرقية القوية من الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الأمير محمد بن نايف ولي العهد وزير الداخلية، في دلالة اعتبار المتعاطفين في الدرجة ذاتها من الجرم الذي يمثله المشاركون والمخططون، لا الصمت عنهم وتجاهلهم أو انتظار أن تقوم الجهات التعليمية والدينية المعنية بدورها في ذلك. المتعاطفون - تحديداً - ليسوا طرفاً مباشراً في العملية لكنهم الفتيل الذي يؤدي إلى التفجير، يظهرون عبر كلماتهم وكتاباتهم وتغريداتهم ودروسهم المعلنة والسرية، الخاصة والعامة، وأي نشاط آخر يدلس لشرعنة الإرهاب وتضمينه في الهوية الإسلامية النقية.

 

الإرهابي لا يولد فجأة، لا تضربه صاعقة ما فيحول مساره ليكون الحزام الناسف هوايته، بل ينشأ في مناخ أسري أو اجتماعي يغذيه ويربيه حتى يكتمل عوده التفجيري. في عمليات الإرهاب يظهر، غالباً، الرابط الأسري والمكاني، فإن غاب كانت الزمالة والعشرة والصلات هي العلامة المكملة والحاضنة الإضافية.

 

رجال الأمن يحاربون وحدهم، ليست مهمتهم تفتيش النيات، ورصد البيوت والمدارس والملتقيات، فهذه مهمة الأسرة والمدرسة ووزارة الشؤون الإسلامية، والمراكز الفخمة للحوار الوطني. رجال الأمن يقطفون الخلايا الناضجة قبل أن ترتطم بالناس والأرض، يتلقفونها بنجاح فريد أطفأ جذوة الإرهاب سنوات ولايزال، لكن النار تحت الرماد مسؤولية الأقربين الذين ينام الطفل بينهم، والمعلم الذي يلتقيه يومياً، والشيخ الذي يعطيه الدروس، والأسماء التي يزدحم بها «تويتر» وتبث الفتنة والحقد والتأجيج وهي مستقرة في منازلها. لن يقضي الأمن على الإرهاب مادام يتخلق باستمرار في أجواء ناعمة ومشجعة.

 

التوجيه الملكي بملاحقة المتعاطفين يتضمن جانبين: أولاً: بصفته ولي العهد يتولى وضع خطة عمل تتحرك ضمنها الجهات والهيئات ذات الصلة في شكل سريع، وتقدم المتورطين في التعاطف إلى الجهات الأمنية. ثانياً: بصفته وزير الداخلية يقبض على المتعاطفين ويحقق معهم تمهيداً لتقديمهم للمحاكمة.

 

سابقاً لم تكن «الداخلية» قادرة على القيام بهذه الخطوة، فهي لا تقبض إلا على من خطط لجريمة وسعى إلى تنفيذها، لكن المدارات الأخرى خارج سلطتها، أما اليوم فإن الشبكة واحدة لا ينجو منها متحاذق مهما استمتع بالسلامة سنوات.

 

بيرقية الملك عاصفة حزم ستقصي الإرهاب، وتطمر منابته الناعمة، وتسد عليه كل الطرق، ومثلما نجح الأمن في اصطياد الخلايا التي حاولت التنفس جريمة، فإن كل مصادر التغذية والتحريض ستحظى بالمعاملة ذاتها التي تلقاها الخلايا والجماعات، لأن الإرهاب صورة واحدة مهما تعددت مستوياته، وتباينت لغة خطابه.

 

«المتعاطفون» كانت الفقرة الغائبة في الحرب على الإرهاب سابقاً، أما وقد أدرجت فإن الصورة ستتبدل كلياً، وستطاول عصا العقاب كل البؤر مهما تنكرت وأحسنت الاختباء.

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)