عادل سنان
عندما نتكلم عن الإنسانية فنحن نتكلم عن مجموعة قيم وأخلاقيات وروابط تقدسها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية..
فإذا ما انعدمت عرى الأخوة والنسب وروابط الدين واللغة بين المتصارعين تبقى روابط الإنسانية كمرجع أخير تستحضرها أطراف الصراع حتى وإن كانت تختلف في الدين كما هو حاصل في فلسطين بشكل عام وفي غزة بشكل خاص عندما تشتعل الحرب بين المحتل وبين شعب يتوق للحرية، إلا أن الإنسان يبقى له قدسيته وكرامته واحترامه.
ذلك عندما تلتزم أطراف الصراع بمعايير الحرب التي أشعلتها فيما بينها محددة أهدافها من تلك الحرب.
أما في حالتنا اليمنية فالوضع مختلف تماما، كون طرف الصراع ومشعل فتيل الحرب هي عبارة عن عصابات ومليشيات لا تمتلك أدنى قيم الإنسانية، بل ليس للإنسانية وجود في قواميسها.
فكيف لنا أن نناشد تلك العصابة والمليشيا بحق الإنسانية وهي التي وضعت الإنسان هدفا لها في حربها سواء ذلك الإنسان التي حركت غزواتها لقتله أو ذلك الإنسان المغلوب على أمره الذي حشدته رغبة أو رهبة لقتل أخيه الإنسان.
وكيف لهذه العصابة والمليشيا أن تقبل بهدنة إنسانية من أجل إيصال المساعدات والمعونات للمشردين والمحاصرين والمحتاجين وهي التي قتلتهم وشردتهم وحاصرتهم ودمرت مدنهم ومنازلهم ومنعت عنهم الماء والغذاء وكل مقومات الحياة بهدف الانتقام منهم وتركيعهم وإذلالهم لينصاعوا لرغباتها ونزواتها.
تلك العصابة والمليشيا التي لا هدف لها إلا الإنتقام من الإنسان تذكرني بمسلسل أطفال شاهدته وأنا صغير اسمه "عصابة الرداء الأبيض" كانوا يخاطبون الناس بقولهم نحن جئنا من أجلكم نقاتل الأشرار ونريد لكم الخير فينضم إلى صفوفهم من يغتر بشعاراتهم ثم يكشفوا بعد ذلك عن لثامهم ويفصحوا عن حقيقتهم بقولهم نحن عصابة الرداء الأبيض نظهر لكم الخير ونضمر الشر، سوف نقتلكم وندمر كل شيء، "انضموا إلينا أو استعدوا للقتال".. فعلا فهي عصابات لا يهمها معاناة الإنسان ولا تؤثر فيها صرخاته وأناته.
تلك العصابة وزعيمها والمليشيا وقائد مسيرتها لا تعنيهم الهدنة الإنسانية إلا في شيء واحد وهو التقاط أنفاسها ولملمة شتاتها وإعادة ترتيب صفوفها من أجل مواصلة غزواتها وتحقيق نزواتها ورغباتها الممتلئة بالحقد ضد الجميع..
فقد أثبتت لنا الأيام بأنها ومنذ إشعالها لحروبها ضد الشعب لم تطلب هدنة أو توافق عليها إلا عندما تجد نفسها مهزومة ومنكسرة في أي من جبهات قتالها، وليس ذلك حفاظا على إنسانها أو حتى انتشال جثث مقاتليها المتعفنة في الجبال والوديان وإنما من أجل جلب المزيد من قطعان المقاتلين في صفوفها إلى جبهات القتال.
إننا إذا أمام هدنة بلا إنسانية المستفيدين منها الزعيم وعصابته وقائد المسيرة ومليشياته، فغزواتهم متواصلة وقتلهم للشعب مستمر وحصارهم يضاعف معاناة الجميع.
أما نحن فقد خبرناهم ولم نعد ننتظر منهم شيئا ولا نأمل أن يأتينا عن طريقهم شيء.