د. عبد الله بن موسى الطاير
مفردات أبو بكر البغدادي في خطابه الأخير تعمق لدي قناعة بأن إيران وراء كل مظاهر الإرهاب في منطقتنا والعالم منذ قيام الثورة. المطلع على وسائل الإعلام الإيرانية التي صدرت يومي الأربعاء والخميس 13-14 مايو 2015م يجد عناوين ومقالات مثيرة للانتباه في لغتها، ومحتوى فيه من قذارة اللفظ وانحطاط الفكر ما يشي بمستوى الغضب والقلق الإيراني من مجمل ما يحدث منذ انطلاق عاصفة الحزم، وزاد توترها حدةً اجتماعات كامب ديفيد بين الجانبين الخليجي والأميركي.
المتصفح لتلك المقالات ومقارنتها بخطبة أبو بكر البغدادي التي تزامنت مع الحدث لايحتاج إلى كثير ذكاء لملاحظة التطابق في غايات الخطاب الداعشي والإيراني؛ فكلاهما وصل مرحلة منحطة من الإسفاف، ويناقشان ذات الهم المشترك، بل لا أذهب بعيدا إذا ما قلت ان ذلك الخطاب المجلل بالسواد يعود إلى مصدر واحد مع مرونة في الإخراج النهائي.
النظام الإيراني لديه عدو واحد وهو المملكة العربية السعودية، وكذلك داعش في تناقض صارخ مع ما تدعو إليه، وهنا يكون مدار الغرابة. داعش تنظيم إرهابي تشكل من فلول البعث العراقي الذي لجأ إلى سورية ليتوحد مع الفرقاء من البعث السوري، وذلك يجيب عن سؤال مهم حول توحش داعش التي لم يشهد لها التاريخ الإسلامي مثيلا. حزب البعث في بلاد الشام تأسس على العمل السري والخلايا الإرهابية واتخذ القتل والتعذيب سلاحا فكانت الانقلابات المتعاقبة التي انتهت بسيطرة ذلك الحزب على كل من العراق وسورية وتشكل له أتباع في غير بلد عربي. وهو يجمع بين قومية عربية متطرفة، ودموية بلشفية قاسية.
ولأن استنهاض الحزب للعمل التعبوي ضد الاحتلال الأميركي للعراق لم يكن ممكنا بتلك الطريقة التقليدية، ولذا لبس الحزب جلباب الإسلام ليكون تنظيما بشعا جمع أسوأ ما لدى الخوارج وأسوأ ما لدى البلاشفة. فكان المولود داعش التي لا قلب ولا إيمان لها.
هناك من يشكك في هذه الرواية، على اعتبار أن البعثيين لايمكن أن يتعاونوا مع الإيرانيين، فبينهما في العراق ثأر قديم، إلا أن المعترضين يُغفلون أن حزب البعث في سورية كان حليفا لإيران منذ قيام الثورة، دعمها بالسلاح والمقاتلين ضد حزب البعث العراقي طيلة 8 سنوات، وليس مستغربا أن يتوحد الحزب عراقياً وسورياً تحت راية النظامين السوري والإيراني.
لكن جدلية أخرى تبقى قائمة تتعلق بحرب داعش ضد النظام العراقي وشيعة العراق، ووجود قاسم سليماني وجيش القدس وغيره من التنظيمات الشيعية المدعومة إيرانيا في مواجهة التنظيم. ويبدو لي أن العرب الشيعة لايعنون الكثير لإيران إلا بما يؤجج الطائفية ويحقق هيمنة إيران. كما أن الحشد الشيعي والدعم الإيراني موجه ضد السنة العراقيين الذين يبادون من قبل إيران وداعش على حد سواء.
جرائم داعش وسجونها خلت من الإيرانيين، واذا كانت داعش تمثل توجها سلفيا متطرفا كما تسوق إيران لذلك فإن المتشددين من السلفيين الجهاديين يرون في "الرافضة" العدو الأول، فكيف سلمت إيران؟ وإذا كانت سجون وإعدامات داعش قد خلت من ضحايا إيرانيين فإن كلمة البغدادي الأخيرة قد خلت من أية اشارة لإيران. ما يعني أن هذا التنظيم بعيد كل البعد عن الصورة الذهنية التي يروج لها ويتم التغرير بأبناء المسلمين بأن داعش هي بلاد هجرة بخليفتها البغدادي وأن بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية التي تحكم بشرع الله، ولايزايد أحد على تمسك أبنائها قيادة وشعبا بتعاليم الدين الحنيف هي بلاد كفر تجب الهجرة منها إلى الرقة.
نحن أمام متلازمة صنعتها إيران ونظام بشار الأسد وحقنتها في جسد الأمة الإسلامية لتحقيق واحد من أهم مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية وهو الهيمنة على هذه المنطقة والتحدث باسم الإسلام.
الإرهاب الإيراني ظهر بأقنعة عديدة منذ قيام الثورة، فأول (فرانشايز) للثورة الإيرانية كان بقيادة جهيمان حينما حاول تطبيق النموذج الإيراني فكان المهدي المنتظر مفتاح الثورة الجهيمانية على غرار الثورة الخمينية. ثم تطور العمل الإرهابي المدعوم إيرانيا لتظهر القاعدة عقب حرب تحرير الكويت ووجود القوات الأميركية الذي يتعارض مع مبدأ ثوري إيراني يرفض هيمنة القوى الاستعمارية والاستكبارية. وبعد 2001م أصبحت إيران ملجأ لقيادات القاعدة التي هزت ضرباتها الانتحارية دولا عديدة وسلمت إيران وإسرائيل منها، ثم كانت ولادة داعش بعد سقوط بغداد وقويت شوكتها بعد قيام الثورة السورية.
ربما تكشف لنا الايام عن أن إيران كانت أيضا وراء أحداث 11 سبتمبر 2001م، وأنها المستفيد الوحيد من شيطنة السعوديين، فهي لاتجد في المنطقة من يقف في وجه طموحها سوى المملكة التي تتمتع بقيادة العالم الإسلامي دون منازع.
خطاب البغدادي ظهر لنا في ظروف خانقة لإيران، فعاصفة الحزم أفقدتها الوعي والحكمة، واختباء الحوثي وانقلاب بعض الحوثيين على دورها في اليمن، وظهور حسن نصر الله الباهت قبل عدة أيام وما تم تداوله من إشاعات حول صحته، جميعها وضعت إيران في موقف صعب لم تجد معه بداً من الدفع بالبغدادي للمواجهة بخطاب بائس لايصدر عن مسلم من عامة المسلمين لدناءة مفرداته، فكيف يصدر عمن يلقب نفسه خليفة للمسلمين.
لمراسلة الكاتب: [email protected]
/نقلا عن الرياض/