طارق الحميد
مع انتهاء قمة كامب ديفيد التي جمعت الرئيس الأميركي بقيادات دول الخليج، يمكن القول إن الخليجيين قد ذهبوا إلى واشنطن بخطة واقعية للتفاوض مع الرئيس أوباما، على خلفية المفاوضات الأميركية الغربية مع إيران حول ملفها النووي.
اليوم، وبعد البيان الختامي لقمة كامب ديفيد والتصريحات المصاحبة لنهاية القمة، ومن جميع الأطراف التي تحدثت، وخصوصًا ما تسرب إعلاميا، الواضح أن الخليجيين قد ذهبوا للقاء أوباما وفق تفكير محدد، وهو أن ليس بوسع الخليجيين تعطيل اتفاق أميركي إيراني لم يتم للآن، خصوصًا أن ما أعلن بالمفاوضات النووية مع إيران هو إعلان إطار عام. والأمر الآخر أنه إذا كان من أطراف قادرة على تعطيل هذا الاتفاق فإنها إسرائيل، ومن خلال الداخل الأميركي، وكذلك الكونغرس، وهذه معركة أميركية داخلية، وأخيرا هناك فرنسا بصفتها طرفًا في المفاوضات الغربية مع إيران، وطرفًا يثق به العرب، وفي ملفات عدة.
وعليه فالواضح أن الخليجيين قد قرروا التصرف بعقلانية وحكمة في كامب ديفيد، حيث فوتوا فرصة الخدعة الإيرانية التي كانت تريد دفعهم إلى الاصطدام مع الأميركيين، وتحديدًا مع الرئيس أوباما المتبقي له قرابة عامين في البيت الأبيض، ومعلوم أن كل يوم يمضي الآن ينتقص من رصيد قوته كرئيس، ويزيد عليه الصعوبات الداخلية، ولذا فمن الواضح أن الخليجيين قد سعوا إلى إعلان ميثاق جديد للعلاقة الخليجية - الأميركية، وإن لم تكن مكتوبة، ولم يسبق أن كانت مكتوبة أصلا بين الأميركيين والخليجيين. كما انتزع الخليجيون من الإدارة الأميركية تعهدًا بالدفاع عنهم، واستطاع الخليجيون الدفع بتحريك ملف التسليح، وهو الذي كان يصطدم مطولاً بالاعتراضات الإسرائيلية، إضافة إلى عمليات التدريب العسكري، والتنسيق المشترك بخصوص ذلك.
وعمق الخليجيون مع الأميركيين مسألة المشاركة في الحرب على الإرهاب، وهذه نقطة تستحق مناقشة بمقال منفصل، كما أثاروا القضايا العالقة نتيجة التردد الأميركي في المنطقة من ليبيا إلى العراق، ومن اليمن إلى سوريا، وهذا أمر مهم، وما يعقده هو التدخلات الإيرانية والتردد الأميركي، ونجح الخليجيون بتحريك ذلك في كامب ديفيد، ورسخوا حقيقة أن إيران عامل عدم استقرار بالمنطقة وليس العكس، وهذه نقطة لا تزال عالقة وإن ردد الأميركيون مقولة إن إيران دولة راعية للإرهاب، خصوصًا أن الإدارة الأميركية لا تزال تتساهل مع إيران حيال ذلك، وأبسط مثال قول الأميركيين إن ما تفعله إيران الآن في المنطقة يتم بأدوات ووسائل بدائية، وبالتالي فلا قلق من تدفق الأموال على إيران في حال رفع العقوبات، وهذا تبسيط مذهل، ومثير!
ومن هنا يتضح أن الخليجيين قد ذهبوا إلى كامب ديفيد مقتنعين بأن ليس دورهم تغيير رأى أوباما، أو الصراخ في وجهه، بل وفق منطق خذ ما تستطيع أخذه الآن، ولا تقع في الفخ الإيراني، وستتولى فرنسا، وإسرائيل، والكونغرس الأميركي، باقي المعركة، وهذا تصرف عقلاني تمامًا مع رئيس متردد بطبعه، وفي آخر سنتين من فترته الرئاسية.