الرئيسية > اخبار وتقارير > صالح ومعركة الثأر من الخصوم ... قراءة في مكاسب وخسائر الزعيم

صالح ومعركة الثأر من الخصوم ... قراءة في مكاسب وخسائر الزعيم

صالح ومعركة الثأر من الخصوم ... قراءة في مكاسب وخسائر الزعيم

"قصتي مع الثعابين" ، هذا هو العنوان الذي اختاره الرئيس السابق علي عبد الله صالح – بحسب مقربين منه -  لمذكراته التي يعتزم البدء بكتابة جزئها الأول، ليشمل الفترة منذ توليه للسلطة عام  17 يوليو 1978 ، وحتى تنحيه عن السلطة بموجب المبادرة الخليجية في 23 نوفمبر 2011.

 

علي عبد الله صالح، أو ( الزعيم ) كما يحلوا لأتباعه مناداته، قال عن السلطة يوماً ، أنها تشبه " الرقص على رؤوس الثعابين "، في إشارةٍ منه إلى الطريقة التي كان يتعامل بها مع خصومه، وحلفاءه على الساحة الوطنية منذ توليه للسلطة أواخر السبعينات، وحتى بعد تخليه عن السلطة أواخر العام 2011م.

 

صالح.. الداهية الذي تمكن من البقاء في صدارة المشهد السياسي، رغم تلقيه ضربات قاسية منذ أن هبت رياح الربيع العربي على اليمن واندلاع ثورة الشباب الشعبية في 11 فبراير 2011م، بقدر ما خلف السلطة وراءه، بقدر ما وضعها نصب عينيه.

 

لم يتوانى صالح يوماً عن استخدام ما تبقى من ثعابينه من أجل فتح جولات أخرى من الصراع، فترة ما بعد تنحيه عن السلطة، عازماً على كسبها، ولقد كان فعلا أذكى من خصومه، أولئك الذين اعتقدوا أن صالح مات سياسياً حينما خرج من السلطة، لكنهم اكتشفوا، ربما متأخرين، أن الرجل كان ذكيا بقدر ما كانوا هم سذّج ومحدودي الذكاء.

 

في أول مقابلة له، بعد أن صح بدنه بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها في 3 يونيو 2011 م  وعرفت بـ "حادثة النهدين"، قال صالح لقناة العربية : " أنا تركت السلطة، وسأريهم كيف تكون المعارضة"، ومنذ اللحظة الأولى من استعادته عافيته، لم يتوقف يوماً عن ممارسة السياسية من بوابة حزب المؤتمر الذي أصر على البقاء في رئاسته، ولأنه كان حزب السلطة، فقد بقي أيضا حزب السلطة حتى بعد تنحيه عن الحكم، وتسليمه لنائبه عبد ربه منصور هادي، لكن صالح بقي يلعب في الميدان بورقة حزب السلطة، متسبباً في كثير من المشاكل والأحداث التي تسببت في فشل أداء الحكومة، ومن ثم فشل مشروع التغيير، فضلا عن تمكنه من الحيلولة دون حدوث تحسن في الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية وحتى الاجتماعية، الأمر الذي جعل الكثير من العوام يقتنعون بمقولة " رحم الله النباش الأول ".

 

عام التحولات الغير متوقعة

أكثر من ثلاث سنوات مرت على تنحي صالح عن السلطة، كانت جميعها عجافاً ، رغم إيجابية الطريقة التي توجت بها ثورة الشعب، من خلال تسوية سياسية، خرج الجميع منها وفقاً لقاعدة " لا غالب ولا مغلوب "، إلا أن بقاء صالح في المشهد أكسبها بعداً تأجيلياً لارتدادات الحرب الانتقامية، والتي بدأت تتجلى ملامحها ولاعبيها بشكل أكثر وضوحا منذ بداية العام 2014.

 

لقد شهد العام 2014 تحولات فاصلة، لم يسبق أن شهد التاريخ اليمني الحديث مثيلا لها، أحداثاُ جعلت من الجميع يعلن حيرته على الملأ وفي مؤتمرات صحفية وأمام وسائل إعلام عالمية، من قبيل ما حدث مع المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن السيد جمال بنعمر، الذي اعترف في أحد مؤتمراته الصحفية، أنه عاجز عن تفسير ما حدث في صنعاء في 21 سبتمبر الماضي، أي حين سقوط العاصمة بيد الحوثيين.

 

الحليف الذي كان خصماً

لقد كان اليمنيون منذ بداية العام الحالي على موعد مع نجم جماعة الحوثي الذي سطع مع أول انتصار لهم، على خصمهم المذهبي ( إن جاز التعبير) ألا وهم السلفيون في دماج، فبعد حرب طويلة امتدت لأكثر من 100 يوم، تمكن الحوثيون من دخول دماج وترحيل أهلها، بتواطؤ حكومي ودولي مكشوف، في 14 يناير 2014.

 

ورغم أن السلفيين كانوا دوماً حلفاء صالح، إلا أنه لم يصدر عنه أي موقف يتضمن إدانة جريمة التهجير الجماعي لآلاف الأسر من أهالي دماج، بل إن وسائل الإعلام التابعة له، والمقربة منه، دأبت منذ بدأت حرب دماج على اتهام الدولة والحكومة بعدم تحمل مسئولياتها تجاه الحرب في دماج، وهي التغطية التي أخذت منحاً انتهازياً هدفه إظهار الحكومة وهادي في موقف العاجز والمتواطئ.

 

وإلى حدٍ كبير نجح " الزعيم" – عبر وسائل إعلامه - في تصوير كل ما يحدث على أنه ناتج عن فشل الحكومة، والرئيس، رغم أنها الحكومة التي يمتلك حزبه أكثر من نصف مقاعدها، فضلا عن تواجده الطاغي في كل مفاصل الدولة، ومؤسساته السيادية وبالأخص في السلطة التنفيذية والتشريعية للبلاد.

 

جبهة الحوار

وفي الوقت الذي بدأت حروب الحوثي تطغى على المشهد السياسي والإعلامي، كان هناك جبهة أخرى للصراع، ألا وهي جبهة الحوار، فكما هو حاصلٌ على الأرض، كان هناك صراع مرير بين تيارين داخل قاعة مؤتمر الحوار الوطني، التيار الأول يمثل الثورة الشعبية، ومن سار في فلك السعي للدولة المدنية الحديثة، والتيار الأخر، هو التيار الطامح في استعادة السلطة، ألا وهو تيار نظام صالح الذي احتفظ بقوامه، وتواجده القوي في كل مفردات الحياة السياسية، وكذا في بنية الدولة وسلطاتها المختلفة.

 

ومع اقتراب انتهاء فترة الحوار، والتي تم تمديدها، لاحقاً نتيجة عدم البت في كثير من القضايا، عمل صالح عن طريق ممثليه في الحوار على تعميق الخلاف حول بعض القضايا، وبالتحديد قضية الأقاليم، ورغم أن صالح سبق وأعلن بعد مجزرة جمعة الكرامة في 18 مارس من العام 2011، عن مبادرة لحل الأزمة، من ضمن مفرداتها، البدء بالتدرج نحو الفدرالية من خلال توسيع الحكم المحلي،  إلا أنه عقب إعلان لجنة الأقاليم في 10 فبراير 2014  عن اعتماد مشروع الستة أقاليم، دأب " الزعيم"  ومن خلال آلته الإعلامية  على تصوير مشروع الفدرالية على أنها مؤامرة حاكها هادي لتقسيم البلاد، !.

 

الحاكم المعارض

ورغم أن صالح ونظامه الذي لا يزال يمارس الحكم، من خلال أتباعه وكوادره الذين تعج بهم مختلف المؤسسات المدنية والعسكرية، ورغم أن نظامه كان شريكاً في كل التحولات والأحداث والخطوات التي تم اتخاذها، إلا أنه لطالما وظف كل خطوات وتحركات الحكومة، وكذلك كل الأحداث لإضعاف وتشويه خصومه وفي مقدمتهم الرئيس هادي، الذي تحول بعد خطوة هيكلة الجيش إلى خصم لصالح، بعد أن كان اليد " الآمنة" التي اختارها "الزعيم" لاستلام السلطة منه.

 

وفي يوم الثلاثاء الموافق  21 يناير, 2014 أعلن الرئيس هادي إقرار الوثيقة النهائية للحوار الوطني، وقد نصت الوثيقة على تمديد الفترة الرئاسية لهادي، التي كان مقررا أن تنتهي بعد شهر واحد آنذاك، وفقاً لما جاء في المبادرة الخليجية، حيث نصت على التمديد لهادي إلى حين انتخاب رئيس جديد بموجب الدستور الجديد الذي سيتم تشكيل لجنة لصياغته بعد انتهاء الحوار، وهو الأمر الذي لم يعجب صالح، وخرج أكثر من مرة، ليذكر بأن فترة رئاسة هادي ستنتهي بموجب انتهاء الفترة الانتقالية التي حددتها المبادرة الخليجية بعامين.

 

الشراكة في الثأر من آل الأحمر

وفيما كان الصراع على أشده بين مكونات الثورة في مؤتمر الحوار، والمكونات الموالية للنظام السابق، كان الحوثيون يحققون انتصارات كبيرة على خصوم صالح وخصومهم من قبائل حاشد، وعلى رأسهم آل الأحمر، لكن هذه المرة، كانت دلائل دعم صالح للحوثيين في تلك المعارك قد بدت أكثر وضوحا، وبدأ خصومه يدركون خطورة بقاءه بعيداً عن الرقابة الأممية، لذلك نشط خصوم صالح في مطالبة المجتمع الدولي بمعاقبته، لتورطه في دعم التمرد الحوثي.

 

وبالرغم أنه لم تصدر عنه أي مواقف تجاه حروب الحوثي، إلا أن رجاله ، وخصوصاً في السلطة المحلية، وكذا المشائخ والوجاهات، كانوا يساندون الحوثي، ويقاتلون إلى جانبه في حاشد، حتى أن وسائل إعلام ومصادر أمنية واستخباراتية أكدت وجود مؤشرات على أن عناصر ما كان يعرف بـ " الحرس الجمهوري" الموالي لصالح، قد شاركوا في الحرب ضد آل الأحمر، حتى سقوط معاقلهم في يد الحوثيين، وحتى تمكن الحوثيين من تفجير منزل الشيخ الأحمر في الخمري.

 

سحب بساط الشعبية

ولمواجهة تحركات صالح الغير مباشرة، ودعمه اللوجستي للحوثيين، ضغط خصومه، عن طريق الدول العشر الراعية للمبادرة من أجل استصدار قرار دولي لمعاقبة المعرقلين للتسوية السياسية، وفعلا صدر القرار رقم 2140 ، في تاريخ 26 فبراير 2014 ، وقد وضع هذا القرار جميع الأطراف السياسية والجماعات والأفراد المُعرقِلين لمسار العملية السياسية في مواجهة المجتمع الدولي، وهو القرار الذي تلقفه خصوم " الزعيم " بترحيب بالغ، ( رغم أنهم اكتشفوا لاحقاً أن هذا القرار لم يكن في صالحهم أبدا ) ، بينما استغل صالح هذا القرار، في الترويج لفكرة الخيانة العظمى، والسعي لإدخال البلاد تحت الهيمنة الدولية، من خلال البند السابع، الذي يجيز للمجتمع الدولي ضرب البلاد في أي وقت مضى، وفعلا استطاع صالح أن يحقق مكاسب على صعيد التأييد الشعبي، حيث ارتأى كثير من الناس أن مجرد القبول بإدخال البلاد تحت البند السابع، يعني الخيانة العظمى، وبذلك يكون صالح قد سدد هدف آخر في مرمى خصومه.

 

مجلس النواب

ولم تتوقف تحركات الزعيم عند دعم الحوثيين فقط، بل كان نشيطاً على مختلف الأصعدة، مثال على ذلك أنه اتقن استخدام ورقة مجلس النواب، بهدف عرقلة استصدار بعض القرارات، وخاصة تلك المتعقلة بالجانب الاقتصادي، وأثار حول العديد من القضايا جدلاً كبيرا، هدف من وراءه إلى إثارة الرأي العام على الحكومة، مثلما حدث في القرار المتعلق برفع أسعار الديزل، حيث ظل نواب المؤتمر يرفضون رفع الدعم، ويتباكون على الشعب، رغم أنهم لطالما صادقوا على قرارات أكثر كارثية من هذا القرار، لكن هو مكر ودهاء الزعيم.

 

أحداث الأربعاء

بعد ذلك برزت حركة الاحتجاجات المطالبة باستقالة حكومة الوفاق الوطني، والتي خرجت في مدن عدة، وتوجت بعد عدة أسابيع من تدشينها من قبل ناشطون مقربون من الزعيم، توجت بـ " أحداث الأربعاء"، الموافق 11 يونيو 2014 ، والتي وصفها الرئيس هادي بأنها حلقة جديدة من حلقات مخطط إجهاض العملية السياسية في اليمن، بهدف العودة إلى الوراء، حيث أوضح في كلمة ألقاها عشية أول أيام رمضان أنه تم رصد 282 نقطة تجمع لإحراق الإطارات، موزعة بدقة، في نقاط حساسة، بالتزامن مع الإفراغ المتعمد للعاصمة صنعاء من المشتقات النفطية، بالتزامن مع ضرب أبراج الكهرباء وأنابيب النفط وغيرها من المؤشرات التي قال الرئيس هادي أنها جزء من مخطط يستهدف النظام الشرعي والتسوية السياسية، في حين نفى الزعيم تلك الاتهامات جملة وتفصيلا، مؤكدا بأن الرئيس هادي، والحكومة تحمله مسئولية فشلها، ولطالما أشار بأن هذه الحكومة وهذا النظام عجز خلال سنتين في الحفاظ على ما حققه خلال 33 سنة من إنجازات.

 

وفعلا حينها كانت بصمات صالح واضحة، وخاصة فيما يتعلق بالتعاطي الإعلامي لوسائل إعلامه مع الأحداث، فلقد كانت اليمن اليوم " المملوكة للزعيم" تنقل تحركات المتظاهرين بشكل مباشر وأولا بأول، ما دفع الرئيس هادي إلى إغلاق القناة، ليؤسس بذلك للمرحلة العلنية من الخلاف بينه وبين صالح، والتي زاد وضوحها مع بروز أزمة " جامع الصالح"، التي زادت من تعميق الشرخ بين الرئيس هادي والزعيم.

 

تطورت الأحداث وزادت حدة المشهد السياسي قتامة، وبينما بقي خصوم صالح واجمين أمام فشل الحكومة الذريع ( بغض النظر إن كان مفتعلاً أم لا ) ، كان صالح يصعد من تحركاته الهادفة إلى ضرب خصومه، محققا مزيد من المكاسب، عبر حلفاءه الجدد الذين كانوا في يوم ما خصوم ألداء، ألا وهم الحوثيين، كما أن صالح نجح في جذب بعض الرموز اليسارية الإعلامية والسياسية، إلى المربع الذي يريده هو، حيث تحولت كثير من الأقلام التي لطالما انتقدت صالح،  إلى سياط مسلطة على خصومه ، كل ذلك نتيجة فشل الأداء الحكومي.

 

سقوط عمران

تقدم الحوثيين، وحاصروا عمران، وكان أعضاء المجلس المحلي، وهم من رجال صالح بامتياز، في مقدمة الاحتجاج على المحافظ دماج، المحسوب على حزب الإصلاح ذي الميول الإسلامية، وتطور الأمر لتدخل عمران حيز المواجهة المسلحة بين الحوثيين وقوات اللواء 310 مدرع، الذي كان يقوده العميد الركن حميد القشيبي، أحد أبرز رجال اللواء علي محسن الأحمر العدو اللدود لصالح، وسقطت عمران في تاريخ 8 يوليو  2014 ، وقتل العميد حميد القشيبي قائد اللواء 310 وتم تصفية اللواء تماما، ونهبه من قبل الحوثيين.

 

ورغم أن خصوم صالح وجهوا له التهام بشكل مباشر بتورطه إلى جانب الحوثيين، إلا أنه بادر بإصدار بيان نعي للعميد القشيبي، وتضمن عبارات مختارة بذكاء وعناية بالغة، بينما جاء بيان النعي الرئاسي متأخراً وأكثر بروده.

 

ومنذ ذلك الحين وصالح يحاول نفي تهمة التحالف مع الحوثيين، رغم أن الوقائع على الأرض تؤكد ذلك التحالف، لذلك، بادر إلى اختلاق روايات وقصص جديدة، لخلط الأوراق وبعثرة الأضواء التي كانت قد سلطت بشكل كثيف على موضوع تحالفه مع الحوثيين.

 

لذلك برزت قضية النفق الشهير، في منتصف شهر 8 من العام الحالي، حيث أعلن عن اكتشاف نفق ممتد لعشرات المترات من أحد الأحواش إلى تحت منزل الزعيم، وتم توظيف وسائل الإعلام الموالية له، وتلك التي ليست معه، لكنها ضد خصومه، وسرعان ما انشغل الرأي العام بقضية النفق، وحينها خرج مقربون من الزعيم بتسريب مفاده أن التحقيقات كشفت أن المتورطين بمحاولة الاغتيال عبر النفق، فروا إلى صعدة، والتجأوا بزعيم جماعة الحوثيين، والهدف من تلك التسريبات، هو إيهام الرأي العام بأن صالح مستهدف أيضا من قبل الحوثيين.

 

شغف العودة إلى السلطة

في البداية ربما كانت رغبة صالح في الانتقام هي التي تدفعه للتحالف مع الحوثيين، لكن مع سقوط عمران، بدأ صالح يتلمس إمكانية العودة إلى السلطة، وهذا ما دفعه لفتح باب التحالف مع الحوثيين على مصراعيه، وبحسب مصادر تنظيمية مؤتمرية، فقد صدرت توجيهات من الزعيم الذي هو رئيس حزب المؤتمر والرجل الأقوى فيه، إلى جميع قيادات وقواعد المؤتمر في مختلف المديريات والمراكز، بمساندة الحوثيين، والمشاركة في كافة فعالياتهم واعتصاماتهم ومناشطهم، بالتزامن مع عملية تشويش كبيرة على القرار العسكري داخل الجيش، من خلال تصوير ما يحدث على أنه صراع بين أولاد الأحمر وعلي محسن وكذلك حزب الإصلاح وبين الحوثيين، وذلك على سبيل التخذيل، فضلا عن تواطؤ قيادات عسكرية محسوبة على الزعيم في القيام بدورها في وقف زحف الحوثي، الأمر الذي زاد من خطورة الموقف، وقلّص الخيارات أمام خصوم صالح، وأوقعهم في حمأة الارتباك.



الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه عبد ربه منصور هادي

 

القشة التي قصمت ظهر الحكومة

في 30 يوليو 2014 م أعلنت حكومة الوفاق رفع الدعم عن المشتقات النفطية، ليصل سعر اللتر البترول إلى 200 ريال، واللتر الديزل، إلى 195 ريال، وكان هذا القرار هو الهدية المغلفة التي كان ينتظرها الحوثيون ومن وراءهم " الزعيم " بشغف بالغ.

 

وقد اتخذ الحوثيون من قرار رفع الدعم عن المشتقات، ذريعة لمحاصرة صنعاء هذه المرة، وبدأوا باستحداث اعتصامات داخل وبمحيط العاصمة صنعاء، وتدفق كوادر المؤتمر الشعبي العام بكثافة على تلك المخيمات، حتى ضاع الحوثيون في تلك الحشود المؤتمرية، وبقي الحوثي مجرد لافتة لتلك التحركات.

 

السلم والشراكة

ورغم تراجع الرئيس عن قرار رفع الدعم، إلا أن الحوثيين ومن وراءهم الزعيم استمروا بالتصعيد، واندلعت المواجهات في الجزء الشمالي في العاصمة صنعاء، وتتابعت الأحداث بشكل دراماتيكي غير معقول، أسفر عنها سقوط القوات العسكرية الموالية للواء علي محسن وحزب الإصلاح ، في الوقت الذي تحدثت مصادر مطلعة عن مشاركة فعلية لقوات عسكرية محسوبة على صالح في دعم الحوثيين، وانتهت تلك الأحداث الصاعقة بالنسبة لخصوم صالح، بتوقيع اتفاق السلم والشراكة في 21 سبتمبر الماضي، وبهذا الاتفاق يمكن القول أن صالح قد قطع شوطاً كبيرا في الطريق إلى تصفية خصومه، في الوقت الذي بدأت " الأنا " الحوثية بالبروز، من خلال الإنتفاخة الحوثية التي ظهرت بقوة عقب سقوط صنعاء، وهو ما لم يعجب صالح، بل وجعل المجتمع الدولي وخاصة دول الخليج وفي المقدمة السعودية تتجه بقوة ناحية معاقبة الزعيم، الأمر الذي دفعه للتبرؤ من الحوثي أكثر من مرة، واتهام الرئيس هادي، بالتواطؤ مع الحوثيين لتصفية حزب الإصلاح وأولاد الأحمر وعلي محسن.

 

ولم تتوقف تحركات الحوثيين عن حد إسقاط المنطقة العسكرية السادسة " الفرقة الأولى مدرع سابقاً" ، بل استمرت في عملية تطهير للمؤسسات العسكرية من خصوم صالح، أقصد من الموالين لعلي محسن والإصلاح، وامتد الأمر ليأخذ منحاً ثأرياً واضحاً لصالح " الزعيم"، حتى أن مقاتلي الحوثي التقطوا بأنفسهم صور " سيلفي" في مخادع خصوم صالح.

 

ثم تلى ذلك اجتياح معظم المحافظات الشمالية، ابتداء من الحديدة ثم إب، وحجة، بينما توقفوا على أبواب تعز، في حين كانوا قد دخلوا بعض مديريات محافظة صنعاء قبل سقوط العاصمة والبعض الآخر دخلوها بعد ذلك.

 

صدمة المملكة

لا شك أن حدث سقوط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر، قد مثل صدمة كبيرة للداخل والخارج، الأمر الذي دفع السعودية إلى الاقتناع بأطروحات الرئيس هادي وبقية القوى، والتي دأبوا فيها على اتهام صالح بالوقوف وراء سقوط العاصمة، ومعظم الأحداث التي شهدتها اليمن خلال السنتين الماضيتين.

 

وكما أوضحنا فإن السعودية كانت قد اقتنعت بأن صالح قرر الاستعانة بإيران للثأر من خصومه، ونكايةً بها، فما كان منها إلا أن صعدت عبر قنواتها الخاصة لدى الدول العشر ومجلس الأمن، حتى صدرت العقوبات الأممية بحق صالح واثنين من قادة الحركة الحوثية يوم الجمعة الموافق 7 نوفمبر، وقد استبق صالح صدور القرار بيوم واحد، باختراع حكاية حول تقديم السفارة الأمريكية طلب بمغادرته البلاد، وهو ما نفته السفارة تماما، لكن صالح كان له هدف من وراء حشد أنصاره، عسى أن يؤدي ذلك إلى ثني المجتمع الدولي عن إصدار القرارات، لكنها صدرت، بل  تلا ذلك إعلان الولايات المتحدة اتخاذ عقوبات منفردة ضد الرئيس صالح وأيضا اثنين من قادة الحوثيين.

 

ولقد بدا صالح متأثرا بشكل جدي من تلك العقوبات، رغم أنه حاول المكابرة، لكن نفيه المتكرر لتهمة التحالف مع الحوثيين، وكذا مغازلته للسعودية التي أشار إلى أنها هي من أقنعت المجتمع الدولي بأنه يعرقل التسوية السياسية، كل تلك المؤشرات دلت على أنه يكترث كثيرا لأمر العقوبات.

 

حكومة بحاح

  في 13 أكتوبر الماضي، تم تعيين المهندس خالد بحاح رئيسا للحكومة ، وتم تكليفه هو والرئيس هادي بتشكيل حكومة كفاءات، وفي 7 نوفمبر الماضي تم الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة، والتي ضمت 36 حقيبة وزارية، أدى في اليوم التالي لصدور القرار 30 وزيرا اليمين الدستورية، في حين توالى بقية الوزراء في أداء اليمين، بينما اعتذر ثلاثة أخرون نتيجة انشغالهم، وصدر مؤخرا قراراً بتعيين بدلاء عنهم.

 

  وحينها أعلن حزب صالح مقاطعة حكومة بحاح، إلا أن وزراء مؤتمريين لم يلتزموا بتلك المقاطعة، في الوقت الذي لم تؤثر حادثة اغتيال الدكتور عبد الملك المتوكل في 2 نوفمبر – أي قبل إعلان التشكيلة الحكومية بيوم واحد – على جهود تشكيل الحكومة، كما كان يخطط له المنفذون.

 

ورقة الحزب

وفي الوقت الذي لاذ الرئيس هادي بالورقة الأقوى المتبقية لديه، والمتمثلة بالتأييد والدعم الإقليمي والدولي، لاذ صالح بالمقابل بحزب المؤتمر الذي لا يزال نفوذه فيه أقوى بكثير من نفوذ هادي، وردا على دور هادي في استصدار قرار العقوبات الدولية والأمريكية، اتخذت اللجنة الدائمة في اجتماع استثنائي قراراً بعزل الرئيس هادي من موقعه كنائب لرئيس الحزب، إلى جانب إقالة الدكتور عبد الكريم الإرياني من موقعه كنائب ثاني للحزب، الأمر الذي وضع حزب المؤتمر أمام خطر الانشقاق.

 

رد اعتبار

في مقابلة تلفزيونية أجرتها قناة " " cBc Extra المصرية في 25 نوفمبر المنصرم مع علي عبد الله صالح، قال الأخير " سيأتي اليوم الذي يُرد فيه الاعتبار لكل من تم إقصائهم من قيادات اليمن "، في إشارة واضحة منه إلى من شملتهم التغييرات، أو قرارات الهيكلة منذ توقيع المبادرة الخليجية وحتى اليوم.

 

ويتضح أن الرجل عازم على رد الاعتبار لهم، وربما إعادتهم إلى السلطة، وتأديب وربما تصفية كل من شارك في انتزاع الملك منه ومن عائلته.

 

رقم صعب

وختاما يتضح بأن صالح استطاع أن يظل رقما صعباً في المعادلة السياسية في اليمن، ورغم أن هناك توقعات بأن تحدث خلافات بينه وبين حليفه التكتيكي المتمثل في جماعة الحوثيين، إلا أن الرجل بعد أن أبعد خصومه اللدودين، لن يعجز عن التخلص من الحوثيين، إلم يكن بالحرب، فلربما قد يمنحهم امتيازات، جيوسياسية تمكنهم من إقامة مشروعهم داخل الدولة.

 

لقد تمكن صالح من الخروج من كل تلك المعارك والمنعطفات بعد 2011 ،  إلم يكن كاسب، فهو غير خاسر، في حين خسر خصومه كثيرا، وتمكن من تقليص الخيارات أمام رئيس الجمهورية، في الوقت الذي باتت الدولة في حاجة ماسة إلى من يقيم صلبها، ولربما بات الكثير يميل إلى خيار عودة نظام صالح، مقابل وضع حد لهذه المرحلة المضطربة، وهذا بالضبط ما سعى له خبير " الرقص على رؤوس الثعابين" الزعيم علي عبد الله صالح.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)