يعتقد كثير من اليمنيين أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح لم يتخل فعليا عن السلطة، في ظل اتهامات له باستعمال ثروته وصلاته العائلية ونفوذه داخل الجيش ومع زعماء القبائل لكي يساعد حركة التمرد التي أطاحت بحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المدعومة أميركيا الشهر الماضي.
هذا ما خلص إليه تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية استقصت فيه آراء نقاد ومحللين ودبلوماسيين أجانب مقيمين في اليمن أجمعوا على أن علي صالح بات لاعبا رئيسا في الساحة في وقت تواجه فيه اليمن مستقبلا غامضا بما في ذلك إمكانية اندلاع حرب أهلية شاملة وتقسيم البلد.
وأشارت الصحيفة إلى أن الآثار والتداعيات المحتلمة لأزمة اليمن تتجاوز حدوده الجغرافية، إذ تخشى الإدارة الأميركية أن يؤدي الاضطراب إلى تعزيز قوة متمردي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والإضرار ببرنامج الطائرات الأميركية من دون طيار.
ولفتت إلى أن أحد المؤشرات الإضافية على المسار المزعج الذي قد يسلكه اليمن هو إعلان سفارتي فرنسا وبريطانيا إغلاق أبوابهما، وهي قرارات تأتي في أعقاب خطط مشابهة أعلنت عنها السفارة الأميركية في صنعاء.
ونقلت الصحيفة عن فارع المسلمي الباحث في مركز كارينجي قوله: إن علي صالح «تخلى عن رئاسة اليمن، لكنه لم يتخل عن السلطة»، حيث احتفظ الرئيس السابق بجزء كبير من نفوذه بسبب عملية الانتقال السلمي التي منحته الحصانة من الملاحقة القضائية وسمحت له بالعيش في اليمن، بل واصل صالح ترأسه لحزب «المؤتمر الشعبي العام» المؤثر في الساحة السياسية اليمنية.
وقال دبلوماسي غربي مقيم في المنطقة العربية: «من الواضح للجميع أن صالح يضطلع بدور في الفوضى الحادثة، وليس ثمة شك في أن ما حصل كان مشروعا مشتركا بينه وبين جماعة الحوثي».
لكن علي صالح أنكر في مقابلة مع واشنطن بوست الاتهامات الموجه إليه بأنه ساعد الحوثين في الاستيلاء على السلطة أو أنه اضطلع بدور في الاضطراب الحالي، واصفا الاتهامات بأنها «بروباجندا» يطلقها خصومه السياسيون.
رغم نفيه مساعدة الحوثي، إلا أن صالح أقر بنشاطه على الساحة السياسية عبر إجراء مناقشات مع مسؤولين وشخصيات قبلية في منزله، وهو مجمع سكني محاط بالأسوار يحرسه عشرات من رجال الأمن.
كما نفى صالح خلال المقابلة أي اتصال له بزعم الحوثين عبدالملك الحوثي، رغم أن حزبه (المؤتمر الشعبي العام) مشارك في المحادثات مع الحوثيين التي ترعاها الأمم المتحدة، والهادفة إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، وأشار الرئيس السابق إلى أنه يأمل أن يثني الحوثيين عن قرار حل البرلمان.
وألقى صالح باللوم على خلفه عبدربه هادي في اندلاع الأزمة الحالية وقال: «من الطبيعي أن يسيطر الحوثيون على مقاليد الحكم لغياب مؤسسات دولة قوية»، مشيراً إلى «ضعف» هادي هو السبب الرئيس في الانقلاب.
ويجمع المحللون على أن السخط الشعبي إزاء هادي هو أحد أسباب تمكن الحوثيين من دخول صنعاء دون معارضة تذكر، حيث تفشى الفساد وعجزت الحكومة عن إحداث انتعاشة اقتصادية، وفي الوقت ذاته أقصى هادي كثيرا من ضباط الجيش في محاولة منه لإعادة هيكلة الجيش.
رغم كل هذا النفي، أشارت واشنطن بوست إلى وجود إشارات على أن علي صالح، ومنذ تولي هادي السلطة، عمل على تشجيع الاضطراب، الأمر الذي دفع بمجلس الأمن الدولي بإنزال عقوبات على صالح واثنين من قادة التمرد، متهما إياهم بعرقلة العملية السياسية وتهديد استقرار اليمن.
هذه العقوبات وصفها صالح بالمناورة السياسية المدعومة أميركيا.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي عبدالغني العرياني قوله: إن الموالين لصالح، بما فيهم ضباط جيش سابقون، بدؤوا تدريبا مشتركا مع مسلحي الحوثي في معقل التمرد في الشمال في الوقت الذي تقلد فيه هادي السلطة أوائل عام 2012.
وأضاف العرياني أن صالح أوفد ضباطا سابقين للعمل مع الحوثيين، ثم عاد هؤلاء الضباط العام الماضي للاستيلاء على العاصمة إلى جانب المتمردين، فضلا عن إقناع صالح القبائل الزيدية الشيعية الكبرى في الشمال بدعم الحوثيين، ورغم أن تلك القبائل تتصارع على النفوذ، إلى أن صالح المنتمي للطائفة الزيدية أيضا، استغل مخاوفها بشأن فقدان نفوذها لدى حكومة هادي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكره متبادل بين صالح وهادي، حيث حل الأخير قوات الحرس الجمهوري القوية التي ترأسها العميد أحمد بن علي صالح، والذي كان يعد لخلافة أبيه قبل أن تندلع انتفاضة 2011.
وأضافت أنه قبل عدة سنوات لم يمكن من الوارد نشوء أي تحالف بين الحوثين وصالح، الذي أطلق ستة حروب شرسة لوقف حركة التمرد الحوثية التي اندلعت جراء الاستياء من الإهمال الحكومي لمنطقتهم.
لكن الآن، يشير مسؤولو جماعة الحوثي أنهم مستعدون لتخطي تلك الحروب والعمل مع صالح.
ويرى العديد من المحللين مؤشرات على علاقة منفعة متبادلة بين الحوثيين وعلي صالح، فخلال هجوم الحوثيين على العاصمة صنعاء، اجتاح المتمردون قوات اللواء علي محسن الأحمر، الذي انقلب على صالح خلال انتفاضة 2011 وانضم للمعارضة.
وجهة النظر هذه يؤيدها سعيد العيري، عضو حزب «الإصلاح» أحد خصوم صالح، الذي قال: إن الرئيس السابق « يريد التخلص من خصومه ومن ثم يعود كبطل قومي، فيما عهد إلى الحوثيين من الباطن بتنفيذ تلك المهمة».
/العرب القطرية/