تفاقم الجدل الإسلامي حول تجسيد شخصية النبي محمد بالتزامن مع الإعلان عن عرض الفيلم الإيراني "محمد رسول الله" في مهرجان "فجر" السينمائي الدولي في طهران.
والفيلم، الذي يعد من أكبر المشاريع الإنتاجية حتى الآن عن حياة خاتم الأنبياء، وصلت تكاليف إنتاجه إلى 30 مليون دولار، وهو ممول كليا من صندوق المستضعفين الذي يخضع لسلطة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.
ويواجه الفيلم الذي أخرجه مجيد مجيدي موجة نقد كبيرة في الخارج، ولكن يظل الأمر مختلفا في إيران، فدعم خامنئي الشخصي للفيلم يعني أن وسائل الإعلام الإيرانية لن تجد مجالا لإخضاعه إلى أي نقد.
وفي أكتوبر/تشرين الاول 2012 حظي الفيلم بزيارة غير متوقعة قام بها خامنئي لموقع التصوير في مدينة قم المقدسة، حيث تمت إقامة مجسمين كبيرين لمدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، في دلالة سياسية ومذهبية واضحة.
ويثير الفيلم جدلا آخر حول تعبيره عن الرؤية الإيرانية للطريقة التي انتشر بها الإسلام، وكيف عاش النبي حياته.
ويقول المنظمون للمهرجان، إن الفيلم سيعرض بشكل مستقل ولن يدرج في مسابقات المهرجان من أجل الحفاظ على قدر النبي.
ورغم دعمها ماديا ومعنويا لفريق عمل الفيلم الجديد، كانت إيران من أشد الناقدين للصور المسيئة للرسول وللنبي محمد، خاصة بعد نشر المجلة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" صورا تمثله وهو يحمل لوحة كُتب عليها بالفرنسية "أنا شارلي".
وقال الباحث والمؤرخ رشيد الخيون لـصحيفة العرب اللندنية إن "أي عمل درامي تاريخي ديني في هذه الأيام الملبدة بسحب الطائفية والتشدد الديني، يضر ولا ينفع، فلو دققتم في هيئة (زعيم تنظيم داعش) أبوبكر البغدادي وهو يقدم بيان تأسيس خلافته كم تلبّس الدور الذي مثل الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب".
وأضاف الخيون، صاحب كتابي "لا إسلام بلا مذاهب" و"جدل التنزيل" إنه لم ير فيلم محمد رسول الله الإيراني "لكنه بلا شك سيُقدم النبي على ضوء مذهب الدولة الإيرانية وتصوراته، وبهذا سيواجه بردة فعل".
ومجيدي هو مخرج قريب من النظام الإيراني، وعمل لمدة خمس سنوات بقدر كبير من السرية من أجل الانتهاء من الفيلم الذي يعد ثاني أضخم إنتاج عن حياة الرسول، بعد فيلم المخرج السوري الراحل مصطفى العقاد "الرسالة" الذي عُرض لأول مرة عام 1976.
ويقر مجيدي أن لديه تحفظات على فيلم العقاد، الذي يقول إنه فشل في تقديم صورة حقيقية عن النبي محمد لأنه ركز على "الجهاد والحرب"، لذلك "فصورة الإسلام في الفيلم انحصرت في السيف فقط".
وفيلم مجيدي هو جزء من ثلاثية عن حياة النبي محمد، يبدأ الأول منها منذ ولادته حتى الثانية عشرة من عمره، ويجسّد هذا الجزء رحلته الأولى إلى الشام ولقاءه بالراهب المسيحي بحيرة، الذي يعتقد أنه تنبأ بأن محمدا سيكون نبيا في يوم من الأيام.
ورغم ذلك مازالت المخاوف من أن يثير الفيلم جدلا قائما، بالنظر إلى أن النظام الحاكم في إيران الشيعية لا يمانع في تجسيد الرموز الدينية.
وحاول مجيدي تخفيف حدة القلق لدى قطاعات واسعة من المسلمين، وقال إنه استشار عددا من علماء الشيعة والسنة من أنحاء مختلفة في العالم الإسلامي.
وأبدى الأزهر، اعتراضه على تجسيد الأنبياء والرسل في الأعمال الدرامية والفنية، وذلك لمكانتهم التي لا ينبغي أن تمس بأي صورة في الوجدان الديني. ويعتبر الأزهر أن تجسيد شخصياتهم في هذه الأعمال يعد انتقاصاً من هذه المكانة الروحية التي يجب الحفاظ عليها.
وطلب الأزهر من طهران عدم عرض الفيلم، بينما استغلت قطر الشد والجذب القائم وأعلنت أنها تخطط لإنفاق مليار دولار على إنتاج فيلم ضخم عن حياة النبي محمد.
وعلى الرغم من الضجة الكبيرة التي رافقت الإعلان عن الفيلم الإيراني والدعوات الصادرة من هيئات إسلامية في مصر والسعودية لوقف إنتاجه في نوفمبر/تشرين الثاني، فإن المخرج مجيدي قال إنه "سيتم عرض الفيلم في مهرجان فجر الدولي الـ33 ".
ويقول الخيون "عدم تحريم أو تحليل تمثيل شخصية النبي هي محط اختلاف بين فقهاء المذاهب. أرى أن يُبعد عن زج الدين والشخصيات المقدسة بحجة الدفاع عنها، فالخلاف الطائفي اليوم يُقدم الإسلام إسلامين وكل يحتفظ بمجلدات من الأحاديث المسنودة إلى النبي".
لكن مجيدي رد قائلا "أنا واع لمظاهر القلق، ونحن حساسون تجاه الرموز الدينية، ولكن لماذا ينتقدون الفيلم قبل مشاهدته؟".