تلعب وسائل الإعلام دورًا هامًا في تشكيل الرأي العام. وعلى مر السنين، أصبح الإعلام قوة لا يستهان بها في كل جانب من جوانب الحياة، كالثقافة، والتعليم، والمجتمع، واللغة، والاقتصاد، وخاصة السياسة. وتعد وسائل الإعلام المرئية مثل الأفلام والبرامج التلفزيونية الأكثر شعبية، كما أن لها جمهورًا واسعًا ومتنوعًا. حيث تستهدف الأفلام والبرامج قلوب وعقول المشاهدين، الذين يميلون إلى التعاطف مع الشخصيات والتأثر بما يشاهدون. ولا ينتهي تأثيرها سريعًا، لأن الناس يستبطنون المشاهد والأصوات التي شاهدوها. وقد أظهرت بعض الدراسات أن ذلك لا يؤثر فقط على تصورات المشاهدين ولكن على سلوكهم أيضًا، وخاصة في الفئات العمرية الأصغر سنًا.
وتعتبر هوليوود عاصمة السينما في العالم، كما أنها أداة فعالة وقوية لتعميم الثقافة والقيم الأمريكية. ومع ذلك، فإن القوة يقابلها مسؤولية كبيرة. وعندما يتعلق الأمر بالأفلام التي تتناول شخصيات عربية أو إسلامية، فقد أثبتت هوليوود مرارًا وتكرارًا أنها غير مسؤولة ومتلاعبة ومضللة ومنحازة. في تقدم وتعزز الصور النمطية، التي تتماشى مع سياسات المستشرقين الأمريكيين العدوانية تجاه العرب والمسلمين. ونادرًا ما بذلت جهدًا لتعكس صورة أكثر موضوعية.
“العاصفة والأسد” 1975، “تحت الحصار” 1986، “مطلوب: حيًا أو ميتًا” 1987، “أكاذيب حقيقية” 1994، “الوطن” 2011-2013، “الحرب العالمية 2013، “سلاحف النينجا” 2014، “القناص الأمريكي” 2014″؛ كلها أمثلة لأفلام وبرامج تلفزيونية التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تشويه صورة العرب والمسلمين في وسائل الإعلام الرئيسة.
وقد فعل بعض تلك الأفلام، مثل: “أكاذيب حقيقية”، و”القناص الأمريكي” ذلك علنًا من خلال تقديم الشخصيات العربية بصورة غير حضارية، تظهرها عنيفة وبلا رحمة، والذين تكون نهايتهم القتل كجزء من النهاية “السعيدة”.
بينما فعلت الأفلام الأخرى ذلك بطريقة أكثر دهاءً، مثل فيلمي: “الحرب العالمية Z” و”سلاحف النينجا“.
ففي فيلم “الحرب العالمية Z“، يتم تصوير الجيش الإسرائيلي ووكالاته “الأمنية” على أنهم حماة القدس، الذين بنوا جدار الفصل العنصري من أجل إبقاء كائنات الزومبي خلفه. بينما في الحقيقة، يعمل الجدار كحاجز عنصري، وهو أداة أساسية من أدوات سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تجرد ما يقرب من 3 مليون فلسطيني في الضفة الغربية من حقوقهم وحرياتهم، لكن تصوير نفس الجدار في الفيلم على أنه أداة إيجابية وضرورية لخلاص البشرية، وأن الجنود الإسرائيليين هم الأبطال والحماة؛ هو تضليل للمشاهدين وتشويه للواقع.
ويضفي الفيلم نوعًا من الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي، بل وعلى الدولة نفسها، من خلال خلق التعاطف والمشاعر الإيجابية تجاه الظالمين المتشددين والاحتلال الاستعماري الوحشي؛ في حين يشوه صورة أولئك الذين يعيشون خلف الجدار، ويقدم الفيلم على درجة من الشرعية. ومن الجدير بالذكر أنه منذ عام 1948، ارتكبت إسرائيل العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية خلال عمليات التطهير العرقي بفلسطين.
وإذا كنتم تعتقدون أن لا شيء في ذلك، دعونا نقوم بتغيير بعض المتغيرات، ومن ثم النظر إذا ما كنتم ستظلون على الاعتقاد بأن ليس هناك ما هو خطأ. فبدلًا من جدار الفصل العنصري، دعونا نستخدم معسكرات الاعتقال للسيطرة على كائنات الزومبي. وبدلًا من الجنود الإسرائيليين، سيتم توفير الأمن من قبل آخرين يرتدون زي النازي. ومن أجل الموضوعية، دعونا نضيف ذلك المشهد المثير للسخرية الذي يظهر فيه العرب والإسرائيليون وهم يغنون معًا بلا هدف عن السلام في القدس. لكن فقط سنغير ليصبح النازيون واليهود هم من يغنون معًا عن السلام بدلًا من ذلك. هل عرفت ما أعنيه؟
إن فيلمًا كهذا من شأنه أن يثير الغضب في أنحاء العالم لاستخفافه بمعاناة يهود أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. وكان ينبغي أن يكون الفيلم الأصلي قد أدى إلى ردة فعل مماثلة لاستخفافه بالمعاناة المستمرة للشعب الفلسطيني، لكنه لم يفعل.
وبالمثل، يمجد فيلم “القناص الأمريكي” في الجنود الأمريكيين ويجرّح في العرب. ويعد القول إن الفيلم منحاز لأحد الطرفين هو نوع من التبسيط. حيث يعرض الجنود الأميركيين على أنهم أبطال، حماة، وفي بعض الأحيان ضحايا في العراق، في حين يتم عرض جميع العرب بأنهم متشددون ومسلحون، بما في ذلك النساء والأطفال، الذين يشاركون أيضًا في القتال؛ حيث لا يوجد مدنيون عراقيون في هذا الفيلم، باستثناء عائلة واحدة، التي قتلت على أيدي المسلحين العراقيين، بطبيعة الحال، وليس الجنود الأمريكيين.
وترسل هذه الأفلام رسالة خبيثة في البداية بأن قتل النساء والأطفال هو أمر لا مفر منه، وجزء من واجب الجندي في “الحماية“. بينما تغيب المعضلة الأخلاقية حول هذه القضايا. فالقناص يطلق النار للقتل وليس لنزع السلاح، حتى عندما تكون الأهداف من النساء والأطفال.
وعلاوة على ذلك، نلاحظ تشيينًا واضحًا للمسلحين العراقيين، مقابل الأنسنة للمسلحين الأمريكيين. فعندما يقتل جندي أمريكي، يتم تقريب الصورة من وجهه حتى نتمكن من استيعاب مشاعره ونتأثر بجروحه. ومع ذلك، عندما يقتل مسلح عراقي، فإننا نرى فقط جسده وهو يسقط من بعيد. ليس هناك دم، ولا تعابير وجه، وبالتالي لا توجد أي مشاعر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجنود الأمريكيين ليسوا جنودًا فقط، فهم أزواج وآباء وأبناء، في حين أن المسلحين العراقيين هم مسلحون فقط.
فالـ “بطل” هو رجل استطاع تحقيق الرقم القياسي في عدد من قتلهم في العراق والذي يسمي زملاءه الـ “أسطورة“. وهو لا يظهر أي ندم تجاه أولئك الذين قتلهم. الشيء الوحيد الذي يأسف له هو عدم تمكنه من قتل المزيد من العرب. لذا فليس من المستغرب أن يثير مثل هذا الفيلم ردود فعل معادية للعرب ومعادية للمسلمين واسعة النطاق بين جمهور السينما في الولايات المتحدة؛ ووسائل الإعلام الاجتماعية التي عبر فيها الناس عن حماسهم لقتل العرب والمسلمين.
وحتى عندما يكون السياق ليس له علاقة بالعرب أو الفلسطينيين في شيء، تتعمد هوليوود إدراج مؤشرات ثقافية عربية/إسلامية لا صلة لها بالموضوع تمامًا، التي غالبًا ما تخلق صلة زائفة بين العرب أو المسلمين وبين الشر.
ففي فيلم “سلاحف النينجا“، لم يكن هناك أي سبب منطقي لاستخدام الوشاح الفلسطيني كجزء من الزي الذي يرتديه جيش الشرير، على الرغم من أن الشخصيات لا يمكن أن تنتمي إلى العالم العربي المسلم جغرافيًا أو ثقافيًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا؛ حيث كان من المفترض أصلًا أنهم يابانيون.
إن هذا التحريض ضد العرب والمسلمين يمكن أن يكون له نتائج وخيمة. حيث يتم تحويل مشاعر الكراهية والعداء تجاه العرب إلى أفعال في العديد من الأماكن حول العالم، ليس فقط على المستوى السياسي بل أيضًا اجتماعي وجسدي.
وسواء ما إذا كانت السينما تعكس حياتنا أم لا، فإن تأثيرها القوي علينا لا يمكن إنكاره. ويجدر بنا أن نتأمل في كلمات مالكولم إكس في هذا الصدد حينما قال: “إذا لم تكن حذرًا، فستجعلك الصحف (وسائل الإعلام) تكره المظلومين وتحب الظالمين“. ويمكن إثبات صدق كلامه دون بذل الكثير من الجهد، فهوليوود لديها الكثير من الأدلة على ذلك.