من يمكن أن يقف بجوارك، إذا تخليت أنت عن نفسك؟! وماذا تفعل لو اكتشفت أن كل من حولك يخدعك ويكذب عليك، وماذا تفعل إذا كان عقلك هو أول من يتخلى عنك؟ وما إذا كانت ذاكرتك تتلاشى بمجرد أن تخلد للنوم، فتستيقظ ناسيًا كل ما مر بك فى اليوم السابق؟!
مـــن يقف معك إذا خانتك ذاكرتك؟!
لا نعتبر أن قصة فيلم “قبل أن أذهب للنوم” قصة جديدة، الحبكة السينمائية نفسها تم استخدامها في العديد من الأعمال الدرامية الأخرى، ولعل طرحًا كوميديًا يناقش نفس القضية قُدم عام 2004 من بطولة “آدم ساندلر” بعنوان 50 first dates.
يبدأ فيلم “قبل أن أذهب للنوم” بمشاهد افتتاحية للبطلة “كريستين”، والتي قامت بدورها المخضرمة “نيكول كيدمان”، تستيقظ “كريستين” من نومها لتكتشف أنها لا تتذكر أي شيء مما يجري حولها! تنظر بهلع للرجل الراقد بجوارها، تدخل دورة المياة لتكتشف مجموعة من الصور تجمعها لمن سيخبرها بعد قليل أنه زوجها “بن”، والذي قام بدوره “كولين فيرث”.
تعلم “كريستين” -ونحن معها- أنها تعاني مرضًا معقدًا ونادرًا، يدعى “فقدان الذاكرة السريع”، ستنسى كل ما حدث لها بمجرد أن تخلد للنوم، سيكون كل يوم يومًا جديدًا بالنسبة لها، وستستيقظ يوميًا في العشرينيات من عمرها فاقدة حوالي نصف عمرها الفائت!
تتلقى اتصالًا هاتفيًا من الدكتور “ناش” قام بدوره “مارك سترونج”، يعرفها بنفسه بأنه المتابع لحالتها الصحية، و يخبرها أنه اتفق معها على أن تسجل يوميًا مقطع فيديو مصورًا لمُلخص يومها حتى لا تنسى مجددًا، ويخبرها بمكان وجود الكاميرا في ركن خفي من خزانة ملابسها. تشاهد “كريستين” الفيديو لتتعلم الحقيقة الأولى الصادمة: لا تثقي كثيرًا في زوجك “بن”!
تتجه “كريستين” لمقابلة طبيبها الدكتور “ناش”، يخبرها ببعض المعلومات الإضافية عن مرضها، تعرضت لحادث بشع، عثر على جسدها عاريًا بالقرب من موقف سيارات قريب من المطار، ضربها أحدهم بضراوة على رأسها ما أفقدها الوعي والذاكرة، ولم تذهب تحريات الشرطة في أي اتجاه نظرًا لكونها الوحيدة التي تعلم هوية الجاني!
يأخذنا الفيلم في رحلة بحث مشوقة، بحث “كريستين” عن حياتها الضائعة، وذاكرتها المُضللة، تلك التي تتلاعب بها في أحد المشاهد وتوهمها أن الطبيب “ناش” هو من اعتدى عليها، إلا إنه يحقنها بعقار مهدئ ويخبرها أن ذاكرتها تحاول استعادة عملها من خلال إسقاط الجريمة على الطبيب، وندرك مع “كريستين” بعد عناء أن الطبيب بريء من تهمة الاعتداء عليها.
مع استمرارها في التسجيل يوميًا وبانتظام، من خلال الكاميرا، نعلم بعض المعلومات الجديدة، “كريستين” لديها طفل صغير، مات في أحد الأيام نتيجة مرض ما، يخبرها “بن” بهذه الحقيقة فتنهار، تتجه للكاميرا وتسجل الذكرى، لكنها تكتشف في اليوم التالي أن زوجها أخفى حقيقة ابنها ووفاته، تتهمه بالخيانة ويتعجب هو من قدرتها على التذكر، لا تخبره بحقيقة الكاميرا شكًا في أمره، ويحاول التنصل من فكرة التلاعب بذاكرتها وتنقيحها لتعرف فقط ما يجب عليها معرفته، لكننا نعلم يقينًا أنه يخفي شيئًا ما.. شيئًا خطيرًا.
تستمر “كريستين” في حياتها الجديدة المضطربة، تقابل الدكتور “ناش” يوميًا، وتسجل يومياتها عبر الكاميرا الرقمية، وتحاول استكشاف ما يحاول “بن” إخفاؤه عليها، تقابل في هذه الأثناء صديقتها “كلير”، والتي قامت بدورها “آن ماري دوف”، تخبرها كلير بأن “بن” ليس الملاك الذي يضحي بوقته من أجلها، وتبدأ “كريستين” في اكتشاف جانب آخر لا تعلمه عن زوجها الذي تعيش معه تحت سقف واحد.
تقفز بنا الأحداث قفزًا بعد ذلك لنتكتشف الحقيقة التي يدخرها لنا الفيلم حتى اللحظات الأخيرة، ففي واقع الأمر “نك” الذي نعرفه نحن ليس هو “نك” الحقيقي زوج “كريستين”، بل في واقع الأمر الزوج الحقيقي والذي لعب دوره “آدم ليفي”، منفصل عن “كريستين” منذ حوالي 4 سنوات! بينما “نك” الذي يعيش مع “كريستين” تحت سقف واحد هو الجاني الحقيقي، وهو الذي يعاني مرضًا نفسيًا دفعه لاستلامها من المستشفى بأوراق هوية مزورة بعد أن تركها كل من حولها، ومن هنا انتحل شخصية زوجها وأقام معها سنوات عدة منتحلًا شخصية الزوج المحب لزوجته الساهر على راحتها!
لم يتركنا صناع الفيلم أمام التساؤل المفتوح حول ما إذا كان “نك” يستحق الشفقه كونه مريضًا عقليًا يهتم بحبيبته حتى عندما يهجرها الجميع، أم أنه مخادع استغل مرض “كريستين” ليوقع بها في حباله وينقح ذاكرتها على هواه، يقتحم الفيلم عقولنا وينحاز لنظرية “نك” المجرم الذي يستحق العقاب، ويدخر لـ “كريستين” نهاية سعيدة عندما تكتشف أن ابنها حيًا يرزق، وتتخلص للأبد من سموم “نك” الفكرية التي كان يبثها في عقلها ليلًا ونهارًا.
المخرج والمؤلف “روان جوف” صاحب أفلام مثل “28 weeks later” ،”the american” ،”brighton rock” قدم إخراجًا متميزًا للفيلم، على الرغم من الملل الذي تسرب لنفوس المشاهدين في بعض الأحداث وتكرارها على مدار الأيام، إلا إنه استطاع الحفاظ على حبكة الفيلم للنهاية مراوغًا الجمهور المتعطش لمعرفة حقيقة الجاني الحقيقي.
نيكول كيدمان استطاعت أداء دور “كريستين” المعقد بسلاسة تحسد عليها، السلاسة التي اكتسبتها من خبرتها الطويلة بنوعية معينة من الأدوار المعقدة مثل دورها في “eyes wide shut” ،”moulin rouge” ،”the others” وغيرها من الأعمال التي تميزت بأدائها، ونستطيع القول إنها كانت بطلة العمل الأولى والأخيرة بلا منازع.
يعتبر الفيلم انطلاقة وعودة قوية للفنان “كولين فيرث”، شاهدنا “فيرث” من قبل في “The kng’s speech” والذي يعتبر واحدًا من أفضل أعماله على الإطلاق، وفي رأينا أن هذا الفنان الهوليودي لم يأخذ حقه كاملًا، فأداؤه التمثيلي لا يتناسب مع الشهرة الباهتة التي حصل عليها في مشواره الفني، لكننا نعتقد أن الحظ قد يبتسم له في الأعمال القادمة خاصة بعد مشاركته في “Before I go to sleep”.
لم تقدم الموسيقى التصويرية جديدًا على صعيد الأحداث، على الرغم من التناغم بينها وبين المشاهد المتتابعة للفيلم، إلا إنها لم تترك داخل المشاهدين انطباعًا يذكر، على الرغم من تميز الديكورات واستطاعتها نقلنا كمشاهدين لعمق الأحداث بداية من المشهد الأول، الديكورات التي تميزت بالفخامة وبثها روح الألفة في بعض المشاهد، والاستعمال الدقيق للألوان على اختلاف الشريط السينمائي المتميز.