يتأهب البرلمان اليمني الذي طالما ارتبط دوره بالأدوار الاستثنائية، للنظر، خلال الساعات القادمة، في استقالة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي التي تقدم بها الخميس الماضي رداً على ضغوطات تلقاها من جماعة الحوثيين المسلحة في البلاد.
وهذه هي المهمة الأولى بهذا الحجم، التي يتولى مجلس النواب اليمني دراستها منذ ثلاثة عقود تقريباً هي فترة وجوده؛ ليكون بذلك قد غادر مهاماً هامشية كانت تُسند إليه بفعل سلب السلطات العليا لصلاحياته إبّان النظام السابق، أو بفعل تلك الاتفاقيات التي وُقعت خلال النظام الحالي وقلّصت من مهامه الرئيسية.
ولا يمكن التكهن حتى اللحظة من تمكن البرلمان ونجاحه في عقد جلسته الاستثنائية التي دعا إليها رئيسه يحيى الراعي والمزمع انعقادها الأحد القادم، أو أنه سيُخفق في ذلك بسبب الظروف والمتغيرات المتسارعة في اليمن.
لكن مجرد تلقيه رسالة الرئيس هادي، المتضمنة نص استقالته وأسبابها، فإنه يكون على مقربة وعلى خطوة واحدة فقط من الوقوف على كرسي الرئاسة، أعلى منصب في الدولة وصاحب الحظ والحظوة في البلاد.
احتمالية الانعقاد من عدمه
بالنظر إلى الأحداث الدراماتيكية في العاصمة صنعاء فإنه من الصعب القول بأن الأمور ستكون على ما يرام إلى أن يحين موعد انعقاد الجلسة، وأن الأحداث السياسية والأمنية ستمنح أعضاء البرلمان فرصة اللقاء، لإبداء آرائهم في الأحداث بشكل عام وفي موضوع استقالة الرئيس بشكل خاص.
فإلى قبل إذاعة وسائل الإعلام نبأ استقالة الرئيس هادي وتقديمها لمجلس النواب، كان مقر البرلمان (السلطة التشريعية والرقابية) يتربع وسط العاصمة صنعاء ويعيش لحظات استقلاليته المعهودة، والبعيدة عن سيطرة المليشيا المسلحة، على عكس واقع بقية مؤسسات الدولة التي يسيطر عليها الحوثيون.
وحين علمت جماعة الحوثيين بأن مصير بقاء هادي على سدة الحكم مرتبطاً بجلسة يعقدها البرلمان، لم تمض ثمان ساعات على الأكثر قبل أن يُحيط مسلحو الجماعة بآلياتهم وأسلحتهم المتوسطة مقر البرلمان في حي التحرير.
مع بزوغ شمس الجمعة، كانت جماعة الحوثيين قد أحكمت قبضتها على مجمع البرلمان الذي يحوي أكثر من مبنى، لتكون بذلك قد حددت هي مصير البرلمان والرئاسة بدلاً من العكس.
بسيطرة الحوثيين على المبنى يكون انعقاد الجلسة الاستثنائية أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد، مالم يسود الموقف تلك التفاهمات السابقة بين رئاسة البرلمان (قيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام) وجماعة الحوثيين، وتقضي بالتغاضي عن دخول "اللجان الشعبية" المجلس باعتباره خاضعاً لحليفٍ رئيسي لهم.
كما أن سيطرة الحوثيين على المجمع، سيدفع أعضاء في بعض الكتل السياسية التي تُحدد موقفاً مناهضاً لتواجد المليشيات، كنواب كتلتي الإصلاح والإشتراكي وبعض أعضاء كتلتي الناصري والمستقلين، إلى عدم حضور هذه الجلسة.
وسبق أيضاً أن أعلنت كتلة البرلمانيين الجنوبيين، موقفاً مغايراً لذلك الذي دعا إليه رئيس المجلس يحيى الراعي بضرورة حضور النواب الجلسة ومناقشة التطورات الجارية.
حيث دعت الكتلة، في بيان صدر صباح الجمعة، إلى مقاطعة جلسة مجلس النواب التي ستعقد صباح الأحد، وعقد جلسة لهم في عدن.
وهذان سببان فقط أفرزتهما التطورات الأخيرة، ومن شأنهما أن يُعطلا عمل البرلمان ويدَعان كتلة حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحيدة داخل قاعة اجتماعات مجلس النواب ومنفردة باتخاذ القرار بشأن استقالة الرئيس هادي.
كما أن العشرات من أعضاء البرلمان يقضون إجازتهم خارج الوطن ومن الصعب عودتهم جميعاً خلال يومين خاصة بعد تخوفات البعض من القوائم التي أصدرتها جماعة الحوثي لعدد من الوزراء والمسئولين تمنعهم من السفر ، فقد يتردد كثير من أعضاء مجلس النواب من العودة إلى الوطن خشية أن يكرر الحوثيون نفس السيناريو معهم في حال كانت قراراتهم غير موافقة لهوى الجماعة.
شرعية البرلمان المطعون فيها
دائماً ما تُطلق تهمة "عدم الشرعية" لمجلس النواب الحالي، منذ العام 2009، بحجة أنه العام الذي انتهت فيه الفترة القانونية للدورة الانتخابية الأخيرة، وأن استمراره كان فقط لاتفاقيات سياسية برعاية محلية ودولية، قوبل بعضها بالرفض من بعض المكونات.
وفي داخل البرلمان نفسه –أيضاً - يشكك نواب بشرعية هيئة رئاستهم، وبالتالي فإن أي قرار من قبلها يعتبرونه باطلاً، ومن ضمن تلك القرارات دعوة رئيس المجلي الراعي الأعضاء إلى حضور الجلسة الاستثنائية.
والمدة القانونية لهيئة رئاسة المجلس (الرئيس وثلاثة نواب)، حسب المادة (17) من اللائحة الداخلية، هي سنتان شمسيتان، وهي الفترة التي تجاوز بقاء يحيى الراعي ونوابه في مناصبهم، ضعفيها، في مخالفة واضحة لنص تلك المادة.
ولن تكون دعوة الراعي المجلس للانعقاد باطلة فقط؛ بل إن أي نتائج تعود له من قرار المجلس بشأن قبول الاستقالة من رفضها يعتبر "غير شرعياً"، كونه باقٍ على رأس البرلمان بصفة غير قانونية أصلاً.
فعند قبول المجلس استقالة الرئيس هادي، فإن الدستور يُرجع مهام الرئيس لرئيس مجلس النواب لفترة 60 يوما يتم التحضير فيها لانتخابات جديدة، وفقاً للمادة (116) من الدستور اليمني النافذ، لكن الراعي في هذه الحالة يعتبر في حُكم المُقال من منصبه وبالتالي لا يجوز له قانوناً تولي المنصب، حسب آراء قانونيين.
الأمر أيضاً لا يقتصر على فترة النواب وهيئة الرئاسة فقط، بل يمتد إلى الإجراءات القانونية المُتبعة عند انعقاد الجلسة.
حيث تشترط اللائحة الداخلية للبرلمان عند عقد أي جلسة ضرورة بلوغ "النصاب القانوني" المقدر بنصف إجمالي عدد الأعضاء زائداً واحد أي (151) عضواً.
كما تشترط المبادرة الخليجية التي تم التمديد على أساسها لمجلس النواب، عند اتخاذ أي قرار بضرورة توفر معيار "التوافق" بين كل الكتل السياسية، وعدم حسم الأمور بالأغلبية كما كان في عهد النظام السابق.
وغالبية الجلسات التي عُقدت في العاميين الماضيين على الأقل، لم تكن تُعقد بالنصاب القانوني مُطلقاً، لكن كان يتم التغاضي عن هذا الشرط بتوفر معيار "التوافق" بين الأحزاب المكونة للبرلمان.
وبالنظر إلى عائقي مقاطعة النواب الجنوبيين وتواجد المسلحين الحوثيين داخل باحة البرلمان وعلى الجوار منه، نستطيع الجزم بأن جلسة الأحد الاستثنائية ستفقد معياري "النصاب القانوني" و"التوافق" معاً؛ لتفقد معهما أيضاً حُلماً طالما راود الكثير من النواب ورئاسة البرلمان، وهو تعيين رئيس للبلد وعزْل آخر.
وفي كل الأحوال فإن شرعية البرلمان الحالي أكثر من شرعية جماعة الحوثيين التي تحاول تشكيل مجلس رئاسي لإدارة البلد بعد استقالة الرئاسة، كون الأول تم اختياره من الشارع فيما فرض الثاني وجوده فرضاً بقوة البندقية.
تواجد ضئيل للحوثي داخل البرلمان
لاتمتلك جماعة الحوثي فعلياً أي عضو في البرلمان باسمها عدا بعض الأسماء التي كسبتها مؤخراً من كتلة المؤتمر الشعبي والتي تحولت بولاءها نحو الحوثي ، وهذا قد يصعب كثيراً تمرير أي قرار دون التوافق الحوثي المؤتمري ، فالحوثي يعتبر نفسه القوة الأكبر خارج أسوار البرلمان ولا يمكن أن يمرر قراراً لا يرتضيه حتى ولو أضطر إلى اعتقال رئيس المجلس وعدد كبير من أعضاءه ، فلا رادع يمنعه من القيام بذلك ، وفي المقابل ليس من مصلحة الحوثي الإجهاز على آخر مظلة شرعية للدولة اليمنية متمثلة بالبرلمان وبالتالي يبدو أن التوافق تحت قبة البرلمان هو الأسلم للحوثي كجماعة لها طموح في اعتراف دولي واسع بتحركاتها.