حذر خبراء في اللغة العربية من تعرض الفصحى لأزمة "غير مسبوقة" بسبب انتشار التعليم الأجنبي وما وصفوه بـ"استهتار بعض وسائل الإعلام بالعربية الفصحى".
وأوصى مجمع اللغة العربية في القاهرة خلال احتفاله باليوم العالمي للغة العربية "بتصويب الكثير من سلبيات الأداء في وسائل الإعلام العربية وأبرزها زيادة استخدام العاميات واللهجات".
وقال الدكتور حسن الشافعي رئيس المجمع في لقاء مع بي بي سي إن بعض القنوات "تلجأ إلى استخدام العامية في نشرات الأخبار"، مضيفا أن "هذا لم يكن أمرا مألوفا في السابق".
وأضاف أن هناك أيضا من الصحف العربية من ينشر إعلانات مكتوبة باللهجة العامية أو بلغات أجنبية أو بخليط من كل هذا.
ضبطية قضائية
ويلزم القانون مجمع اللغة العربية بالقاهرة "بإعلان تقرير سنوي عن حالة اللغة العربية، وما تتعرض له قراراته من مخالفات".
وأحصى المجمع، مؤخرا مخالفات للصحف في هذا المضمار، ليجد أن ما يقرب من 90 في المئة من إعلانات الصحف احتوت على هذه المخالفة، بحسب الدكتور حسن الشافعي، الذي حذر من مغبة هذه الظاهرة ودعا المؤسسات الصحفية والإعلامية إلى الكف عنها لئلا يضطر المجمع لاتخاذ التدابير المخولة له قانونا.
وكان البرلمان المصري قد أقر في عام 2008 تعديلا على قانون تنظيم مجمع اللغة العربية منح بموجبه المجمع صفة الضبطية القضائية بهدف "مراقبة سلامة اللغة العربية وتوحيد ما فيها من مصطلحات، وإحلالها محل التسميات الأجنبية الشائعة في المجتمع"، وينصّ القانون على أن مخالفة هذه الالتزامات توجب انعقاد المسؤولية التأديبية للمخالف.
عبرة للمخالفين
لكن رئيس المجمع قال لبي بي سي "لا نريد أن نبادر بإشهار سيف القانون في مواجهة هذا الاستهتار باللغة العربية الفصحى".
وأوضح "من حقنا إحالة المخالفين للنيابة وملاحقتهم أمام القضاء، لكن المجمع يفضل اللجوء أولا إلى أسلوب الترغيب لا الترهيب". وقال إن المجمع، بصدد الإعلان عن جوائز للهيئات الإعلامية التي تحافظ على اللغة وتحترمها، كوسيلة للإغراء قبل اللجوء للعقاب. "وهذا فيه توجيه للجهات المقصرة"، على حد وصفه.
واستدرك "لكن سيأتي يوم نلجأ فيه إلى التقدم بشكوى رسمية إلى النائب العام ضد من يستخدمون العامية في نشرات الأخبار، ليكون مثل هؤلاء عبرة لغيرهم".
في مواقع التواصل
وقال فاروق شوشة الأمين العام للمجمع إنه تم بالفعل تخصيص جائزة قيمتها 70 ألف دولار لأفضل عمل إعلامي لخدمة اللغة العربية، وذلك ضمن مجموعة من جوائز محمد بن راشد للغة العربية التي يشرف عليها المجمع في خمس مجالات هي التعليم والإعلام والسياسات اللغوية والثقافة والتراث والتكنولوجيا.
ويشكو أعضاء المجمع وخبراؤه من تدهور استخدام اللغة العربية في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي اجتماع سابق أوصى المجمع بتشجيع "الشباب على استخدام الأحرف العربية في الرسائل والتغريدات والالتزام بأسلوب لا يجافي اللغة ولا يهبط بها إلى السوقية".
ومن بين الجوائز المخصصة، بحسب شوشة، جائزة قدرها 70 ألف دولار لأفضل تطبيق ذكي لتعلّم العربية، وأخرى مثلها لأفضل مبادرة في استعمال شبكات التواصل الاجتماعي لنشر العربية.
وأعلن المجمع استعداده لتلقي طلبات الترشيح في اليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 سنة 1954، الذي أدخل اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، استجابة لاقتراح من المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية.
أزمة غير مسبوقة
لكن الأجواء الاحتفالية هذا العام كدرها شعور لدى خبراء اللغة العربية ومحبيها، الذين اجتمعوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، بأن هناك تراجعا في الاهتمام بالفصحى. وخلال كلمات ألقاها عدد من خبراء اللغة العربية، قال عدد منهم إن "اللغة العربية تواجه أزمة غير مسبوقة".
وذهب الدكتور محمد حماسة نائب رئيس المجمع إلى أبعد من ذلك في لقاء مع بي بي سي، إذ أشار إلى أن "اللغة العربية تجابه حربا في أماكن كثيرة، والأدهى أنها تعاني من عدم التوقير داخل البلاد التي تنتسب للغة العربية".
ونبَّه حماسة إلى أن الخطر الداهم على اللغة يتمثل في انتشار التعامل باللغات الأخرى في الكثير من المؤسسات، خاصة التعليمية والمصرفية. موضّحا أن النهوض باللغة لن يتأتى إلا من خلال التركيز على التعليم، خاصة مع الانتشار الواسع للجامعات الأجنبية. ولكنه أشار إلى أن الجهود التي يبذلها المجمع، وإن كانت ملزمة، إلا أنها غير كافية ضاربا المثل "عصفور واحد لا يصنع الربيع".
نصيحة للزعماء
ويلقي بعض خبراء اللغة باللائمة على كبار السياسيين والزعماء من "ذوي الكاريزما" الذين ربما تحفل خطبهم وكلماتهم بالأخطاء.
ويوصي المجمع ممثلي الدول العربية في المحافل الدولية "باستخدام اللغة العربية الصحيحة في المؤتمرات والملتقيات وعلى وجه الخصوص هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة".
ويقول الدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية لبي بي سي "الأمانة تقتضي أن نوضح أنه كما أن هناك ساسة نصيبهم من الفصاحة محدود، هناك أيضا قادة عرب ينطقون العربية ويتحدثون بالفصحى حديثا جيدا".
وأضاف "تفضيل أبناء الصفوة المدارس الأجنبية التي شاعت في البلاد العربية هو السبب في هذه الظاهرة حيث أن أولئك هم من سيحكموننا في المستقبل".
وقال الشافعي إن حماس الشعوب للغة العربية مرتبط باعتزاز قادتهم بها، ولهذا فإن على الزعماء مسؤولية أكبر من غيرهم في هذا المضمار.
المصدر / بي بي سي بالعربية