امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالاحتفالات والابتهاجات بفوز السوري «حازم شريف» بلقب «اراب آيدول». وكانت هذه المرة الأولى التي يتفق فيها فريقا الحرب «معارضون للنظام ومؤيدون له» على أمر واحد.
حازم شريف الشاب ذو الواحد والعشرين من عمره، صاحب الصوت العذب والمنحدر من مدينة حلب السورية المعروفة بتاريخها الفني والثقافي الأصيل، ختم الموسم بأغنية «بكتب اسمك يا بلادي عالشمس اللي ما بتغيب»، ليحظى في نهاية المطاف بدموع محبيه الذين عمتهم الفرحة لحظة إعلان نتيجة فوزه.
بينما غاب العلم ذو النجمتين والثلاثة ألوان عن الحفل الختامي، ما تسبب في حالة غضب لدى بعض مؤيدي النظام السوري، بينما وصف معارضوه هذه الخطوة بأنها «على طريق أن نكون سوريين بحق بغض النظر عن الانتماءات السياسية»، فيما اعتبر مؤيدو النظام رفض شريف رفع العلم السعودي، انتقاماً سياسياً من دولة برأيهم داعمة للإرهاب على أرضهم.
وأصرت الفنانة الإماراتية أحلام على أن تبقى وسط الكادر وخلف حامل لقب «أراب آيدول» في نسخته الثالثة حازم الشريف، وهي تحمل العلم السعودي، بينما لم يجد شريف ما يُمسك به سوى المايكروفون.
كانت أحلام تنتظر هفوة من الشريف مستغلة شحنات الفرح التي اجتاحته في تلك اللحظات، وتوقعت أن يرفع الشريف العلم السعودي ويلوح به، لكنه لم يفعل ذلك، فيما كان مخرج البرنامج متعاوناً إلى حد كبير حيث حرص على عدم إظهار العلم ممسوكاً باليد اليسرى لحازم الشريف.
وتعرضت أحلام لموجة واسعة من الانتقادات إثر إعطائها العلم السعودي للمتسابق السوري، ووصف الكثير من الناشطين على فيسبوك تصرفها بـ»الفجّ».
أرادت أحلام وفق تقدير الكثيرين استفزاز جمهور سوري عريض بدا خلال مراحل البرنامج لا يكن أية محبة لها، ظهر ذلك جلياً عبر آلاف التعليقات على مواقع التواصل. ومن الواضح أنها لا تبادله إلا المشاعر ذاتها.
ونشر فراس الشهابي أحد أبرز أعمدة النظام التجاريين في حلب على «الفيسبوك» منشوراً يوحي بالغضب من حازم شريف لعدم رفعه العلم السوري، قائلاً «شباب استشهدت مشان العلم، وأطفال تيتمت مشان العلم، ودمنا انهدر مشان العلم، ومن لا يرفع علم بلاده لا يستحق أن يكون سورياً».
من جهته نشرت «آلاء» ناشطة سورية، على صفحتها: «سعيدة بفوز حازم ابن بلدي، ابن سوريا، سعيدة لشعوري لأول مرة أني فرحانة لسوري».
أما في حلب والتي تعلو أصوات البراميل فيها على صوت غناء ابن بلدها الخارج لتوه من فوز كبير، فإن حواجز النظام أطلقت الأعيرة النارية في السماء بشكل جنوني، وعلت أصوات الصراخ في أحيائها من تلك الحواجز، بينما في المقابل استنفرت حواجز «الجيش الحر»والتي لا تدري ما يعرض على شاشات التلفاز في ذلك الوقت، وظنت أن هناك عملية اقتحام جديدة للجيش النظامي لمقارهم.
في الوقت نفسه ، احتفلت قنوات النظام وإعلامه بفوز الفنان الشاب وصارت تبارك للرئيس الأسد نفسه على هذا الفوز.
وكان الفنان الشاب قد نشر منذ أسبوع صوراً له تجمعه بالفنان السوري قصي خولي المعروف بمواقفه المؤيدة للنظام السوري، حيث لاقت هذه الصور انتقادات لاذعة من معجبيه من المعارضين، إلا أن كل هذه الانتقادات تلاشت لدى البعض بمجرد فوز الفنان الشاب، حيث كانت فرحة الفوز أكبر من السياسة ودهاليزها.
كأن الفن سلك طريقاً إلى قلوب السوريين التي أتعبتها الحرب وأتخمتها الآلام حتى باتوا يجدون في أي فسحة غناء تنقلهم إلى بلد بحجم الشمس مساحة للأمل، محاولين قدر الإمكان تنحية السياسة عن حياتهم، تاركين رقعة في القلب سماوية لتذوق معنى اللحن والأغنية والشعر والموسيقى.
وكان لافتاً غياب العلم الرسمي السورية بنجمتيه الخضراوين بالمطلق عن مسرح ومدرجات أراب آيدول. المسألة ليست صدفة. مصادر مواكبة للبرنامج تقول لـ»القدس العربي» إن عناصر الأمن الخاص بالبرنامج عمدو إلى تفتيش كل السوريين ومنعوا إدخال علم النجمتين الخضراوين إلى داخل المسرح، ما خلا والدة حازم شريف التي كان بإمكانها إدخال هذا العلم ولم تخضع للتفتيش وفق تأكيد المصادر. بعض السوريين المؤيدين أبدوا انزعاجهم لكون الشريف لم يكن لديه علم الدولة الرسمي ولم يرفعه خلال احتفاله بلقب محبوب العرب.
ولم يغب حس الفكاهة المعجون بالألم عن منشورات وتغريدات السوريين على «فيسبوك» و»توتير»، إذ يغرد أحدهم قائلاً: «كيف رح يحصل حازم شريف على فيزا لدخول جزر السيشيل بما أنه سوري؟ في إشارة ساخرة منه إلى تعميم قرار منع دخول السوري إلى أي بلد بلا فيزا».
كان للتفرقة والانتقام طوال الأربع سنوات في سوريا النصيب الأكبر في هذه الحرب، ومع اختلاف الكثير في توجهات البرنامج الأكثر متابعة على مستوى الوطن العربي، إلا أن الشاب الفنان استطاع بصوته الجميل وذكائه كسب جمهوره مع تنحية السياسة جانباً وأن يكسب طرفي النزاع في سوريا وأن يستقطب حتى تلك الفئة غير المتابعة كثيراً، جاء ذلك مع ألوان الأغاني التي اختارها حازم شريف والتي تتغنى بجمال سوريا وترسم أملاً على وجوه أهاليها المتعبة وتذيب القلب حنيناً لدى مغتربيه.
«بكتب اسمك يا بلادي عالشمس اللي ما بتغيب» كان لهذه الأغنية وقع كبير لدى الكثير من السوريين خاصة المغتربين والمبعدين قسرياً منهم، إذ وجد هؤلاء في اللحن الخارج من حنجرة سورية أملاً بشمس قد تطلع على السوريين يوماً ما وسط ظلام الموت المحلق فوقهم.
*القدس العربي