أسعد البصري
هل تعود مساجد بغداد المحتلة إلى أهلها؟ هل ترفع المنائر الذليلة رأسها من جديد؟ هل يستعيد الذين اسمهم “عمر” أسماءهم حقا؟ بعد أن تخلوا عنها بسبب الخوف؟ هل يعود الماء عذبا في دجلة مرة أخرى؟ هل تعود الفتيات البغداديات من المهجر، ولهن أمان الملك سلمان بن عبدالعزيز في بيوتهن، دون خوف من أبو عزرائيل وأبو درع؟ هل تُضاء المصابيح مرة أخرى بجامع الإمام الأعظم ويزدحم فيه المصلون؟
هل يصلي قادة العالم المسلم جماعة، في مدينة الرشيد التي بناها المنصور؟ هل يعود الأشراف من بيت السعدون إلى حقولهم، وتعود لهم حقوقهم السليبة؟ هل يعود السلفيون إلى مدينة أحمد بن حنبل؟ هل تعود القلوب المنكسة بالكرخ لتعشق وتغني وتكتب القصائد؟
هل حقا يعود السؤدد عمريا عربيا ببغداد؟ تعود القواعد: المبتدأ والخبر، وتختفي القاعدة. يعود القرآن: زينة الحياة الدنيا، وتعود اللغة العربية الفصحى والمعلقات. تعود الأغاني والقانون والمقامات، فلكل مقامه ببغداد. يعود التاجر الأردني، والمطربة الجزائرية، والفقيه السعودي، وعالم الرياضيات الباكستاني، والشاعر التركي، ولا تكون جنسية الإرهابي حينها إلا فارسيا ببغداد.
إن ما يجهله الناس هو أن ما نشعر به، يشعر به الملك سلمان بن عبدالعزيز وعبدالله الثاني، كما يشعر به العاهل المغربي وقادة الإمارات وعبدالفتاح السيسي، رغم خلافاتهم الطبيعية كقادة سياسيين. إنهم جميعا يتألمون لذبح مليون عراقي، وتهجير سنة بغداد، وادعاء إيران بأن عاصمة العراق هي عاصمتها التاريخية، كما يزعجهم إبادة أعظم شعب مسلم كالشعب السوري.
بدلا من أن يأتي الجزائري والتونسي والتركي والباكستاني والسعودي والمصري متطوعا لنصرة السنة في العراق وسوريا من الذبح الصفوي والتهجير، ويقع تحت طائلة القانون وتهمة الإرهاب. الأفضل أن تتدخل الدول المسلمة بجيوشها وشرعيتها كلها، لتنصر المسلمين بسوريا والعراق كما باليمن.
لقد قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله إن الدواعش مجرد أطفال. ويبدو أنه قد جاء عهد الآباء ليس لتأديب الأطفال فقط، بل لمعاقبة الصفويين على ظلمهم وجرائمهم، وقد بدأ العقاب بالحوثيين فعلا.
كل رصاصة صفوية بصدر داعشي تنجب اليوم ألف داعشي، بينما كل رصاصة سعودية بصدر مقاتل صفوي، تقتل ألف داعشي. الذي يقول إن السعودية ستقضي على الإرهاب باليمن، لا يفهم ما هو الإرهاب، فهو بسبب عبث إيران بحياة الملايين. فإذا السعودية تنهض بالأمر وترفع الظلم، لماذا الإرهاب إذن؟ السنة أنفسهم في هذه الحالة يقبضون على كل مشاغب، حتى لو كانوا أبناءهم وبناتهم. يتحول المتطرف إلى تاجر سيارات ومستثمر بالمواد الغذائية ومهندس كومبيوتر ومزارع في الحقول.
قال الرئيس الأفغاني أشرف عبدالغني للصحفيين “الصفة الأساسية التي يتسم بها داعش أنه يلتهم الرجال. إنه يبتلع منافسيه”. وهذا قبل أن تنهض المملكة وتقول “كلا” للتمدد الصفوي باليمن. الآن انكمش تنظيم الدولة، وعاد الوزن الحقيقي للسنة بيد العاهل السعودي. أفئدة الملايين اليوم بيد خادم الحرمين الشريفين. الفتيان في المخيمات، العجائز تحت القصف بالموصل، المدن السورية التي تحت الحصار. كلها تنتظر قطع الذراع الفارسي في المنطقة.
ربما أنا متفائل كثيرا وينتابني نوع من الخفة بسبب انطلاق “عاصفة الحزم”. ولماذا لا؟ فهي لتحرير صنعاء التي يجمعنا فيها “سوء المصير” والاحتلال المجوسي. فمَنْ من الكتاب والمحللين والمضجرين تنبأ بما يحدث اليوم؟ مجرد تحليلات مملة تعجز دوما عن توقع المستقبل. هذه الخفة التي تنتابني تذكرني بقصيدة نزار قباني عام 1988 التي ألقاها في المربد بمناسبة انتهاء الحرب وانتصار العراق على إيران.
رحل الفرس وجاء العرس
قل لحبيبي في بغداد بأن يتبغددْ
قل لعيون البصرياتِ بأن يمطرن علينا
مطرا أسودْ
قل للنخلة أن تتمشط عند النهر
وقلْ للوردة أن تتورّدْ
قل لحبيبي أن يتضمخ بالحنّاء
وقل للنهر بأن يتمردْ
* كاتب عراقي