وئام عبدالملك
كثيرا ما كنا نتساءل حين أصبح البلد في لجة كل هذه الصراعات،يا تُرى لو كانت القوات المسلحة وقفت وقفة جدية في سبيل الوطن، وكانت محايدة، و ولاءها فقط للوطن وللشعب، هل كنا سنخرج من هذا المأزق الذي تشظت منه اليمن، وأفرزت العديد من الأطراف الطامعة في الحكم؟ ولكن لما رأينا الجنود انقسموا،وأشهروا أسلحتهم في وجه المواطنين الثائرين،الذين أرادوا التغيير،على اعتبار أن شعوبهم الشرعية الوحيدة التي تمنح الرئيس صلاحيات الحكم، فتساءلناهل ارضعن الأمهات أبناءهن حب الوطن؟وهل هؤلاء الجنود هم الحماة لنا؟ كما كنا نسمع دوما، ومثلما لقنتنا الحكومة في القنوات الاتصالية التابعة لها، والتي كانت تحرص على أن تضمن ولاءنا للرئيس، قبل أن تضمن أن نتعلم ونصبح واعيين، وكنا نتخيل دوما الجنود وهم يلبون نداء الوطن، ولم نتخيل يوما بأنهم سيقتلوننا، ويعترضون أحلامنا، ويخذلونا، في الوقت الذي كنا نظن بأنهم سيقفون إلى جانبنا، خاضعين لإرادة الشعب المطحون.
هل كان عوزهم للمال هو ما جعلهم يتخلون عنا والوطن، أم أن الكليات التي ارتادوها قد علمتهم بأن الولاء للحاكم الأوحد الذي ينبغي بألا يُقهر؟! ولو كانوا انحازوا إلى الشعب كما فعل الجيش التونسي، هل كان البلد سيصبح كما كنا نحلم، فنعمل جميعا ونبني بلدنا،فلا يفترش أرصفة الطرقات كل أولئك الشباب العاطلين عن العمل والضائعين في الفراغ، ولا يتسول بنا رئيس البلد على أبواب الدول الغنية ليطعمنا الصدقات، فيحط من قدرنا وكرامتنا، ولا يبات الكثيرون وهم جياع، ولاتضيع حقوقنا، ولا تقيم الشياطين العدالة، أو يكون هناك هوة قائمة بين القلة الأغنياء جدا، والقاعدة العريضة من الفقراء جدا و وو.
نتساءل هل كان للعرب يوما قائدا يستحق أن يضحي حماة الوطن بالمواطنين في سبيله، وهو مجرد شخص واحد يريد أن يحكمنا شئنا أم أبينا، ويصنع إمبراطورتيه الشخصية له وحاشيته؟ للأسف إنا لا نجد قائدا عربيا حاليا يستحق أن يكون الشعب بأجمعه قربانا لأجله، فالحكام يعملون لأجل حاشيتهم وأحلامهم الشرهة التي لا تنقطع، إذ لم يعد غريبا أن تجد مذكرات الساسة الغربيين مترعة بالسخرية من الحكام العرب، منذ بداية تشكل الدول التي قامت بعد الإمبراطوريات العظيمة، إنهم يهتمون بالمظاهر والبذخ، كما لو كانت شعوبهم تقطن في منازل ذهبية، ولا جائع في بلدانهم.
إن الحكام الذين ثارت عليهم شعوبهم، لم يسلموا بذلك، وهم الذين يلهجون بالديمقراطية في كل المحافل، بل سعوا إلى الانتقام من شعوبهم، فعملوا على تجنيد أنصارهم، واستخدموا أدواتهم التي ما زالت طوعا لهم، وتدين لهم ببعض الوفاء؛ لبث المشكلات في الوطن وزعزعته، واستهلاك الشعوب بتهديد أمنهم ولقمة العيش وحرياتهم، وحاول كل فريق طامع بالسطلة أن يستخدم تارة السياط، وتارة اللين في سبيل السيطرة على الشعوب، والفوز المؤقت برضاهم.
إن استهلاك الطاقات الجبارة في المواطنين بأسلوب التجويع والتخويف،والزج بالبلد في قلب كل هذه المشكلات، جعل المواطنين يفقدوا الثقة بأي طرف، وينقادون بسخط ممزوج بغير اكتراث، حماة الوطن لم نعلم يوما بأنَّا و وطننا رخيصين إلى هذا الحد، لكن إيماننا بوطننا الذي نفخر به هو الخالد.