زيد الشامي
تتسارع الأحداث في اليمن، ويبدو منطق العنف وقوة السلاح غالباً؛ في الوقت الذي يتوارى صوت العقل والحكمة، وتتبخر أحلام بناء دولة النظام والقانون، وتتصاعد الاحتجاجات في المحافظات التي ترفض مصادرة مؤسسات الدولة السيادية؛ مما ينذر بتداعيات خطيرة ربما لم تكن في الحسبان، وهكذا يبدو أن البلاد تتجه نحو المجهول، ونسأل الله أن يلطف ويهدي اليمنيين إلى أرشد أمرهم..
جميع القوى السياسية شاركت في الوصول إلى الوضع الراهن، بمن في ذلك أولئك الذين اكتفوا بالموقف السلبي من تخلي الدولة عن واجباتها نكاية أو مكايدة أو لأنهم لم يقدروا المخاطر المتوقعة من التساهل والتفريط في الأساسيات، الأمر الذي أدى? إلى انهيار الدولة بمؤسساتها العسكرية والأمنية، كما أن وسطاء التسوية السياسية أسهموا في تردي الأوضاع وركزوا على القشور والمظهر ولم يهتموا باللُّـب والجوهر.
مع الاستنكار لما حدث للأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية من تهديد، وقتل وجرح عدد من أفراد حراسته، ثم إبقائه تحت الإقامة الجبرية فإن تقديم استقالته كان أقل ما يمكن أن يعمله في هذه الظروف الصعبة.
المستغرب في الاستقالة التي قدمها الرئيس لمجلس النواب تحميله القوى السياسية مسؤولية عدم التعاون معه، مع أنه أُعطي من الصلاحيات والدعم الداخلي والخارجي ما لم يحدث لأي رئيس قبله؛ وعدم اعتراض القوى السياسية للكثير من قرارته غير الصائبة كانت محل غضب واستياء قواعد تلك الأحزاب، لكنه لم يحسن الإستفادة من الفرص والمتاحات، وربما ظن أن غضّ الطرف عن الأخطاء، أو الحياد في التعامل مع المخالفات والتجاوزات، وترك الحبل على الغارب سيجعل المتصارعين يضعف بعضهم بعضاً، وبهذا يتخلص من مراكز القوى? فيسهل له الحكم بعدها، وما هكذا تبنى الدول أويقام العدل أويحدث الاستقرار، التهاون والتفريط بدأ من وقت مبكّر حتى عادت دار الرئاسة ومنزل الرئيس إلى حضن الدولة، كما عادت عمران من قبل!!
اليوم تتحمَّل جماعة الحوثي كامل المسؤولية عن الدولة بعد سيطرتها على دار الرئاسة وألوية الحماية الرئاسية ومنزل الرئيس هادي؛ ووسائل الإعلام الرسمية، وعليها عدم الاغترار بالقوة التي سبق أن امتلكها من قبلها، فهي اليوم على المحك، فإدارة الدولة تختلف عن إدارة جماعة، لهذا نتوقع منها التوقف عن كل التجاوزات التي مارستها قبل تسيدها على قرار السلطة، وأن تسارع لمعالجة كل الأخطاء التي حدثت منها عمداً أو عن طريق الخطأ، سواء كانت باسمها أو بانتحال شخصيتها، فلم يعد ممكناً اليوم تحميل أي طرف غيرها المسؤولية، ومن واجبها حماية الحريات والحقوق للجميع بمن فيهم المختلفين معها سياسياً كما كانت تطالب بذلك وهي خارج الحكم.
بعد استقالة رئيس الجمهورية والحكومة، صارت كل الخيارات المتاحة صعبة، وأفضلها سيكون الأقل سوءاً، وينبغي أن تكون الأولوية للمحافظة على الوحدة الوطنية وصيانة النسيج الاجتماعي من التصدع، وعدم الاستمرار في برنامج البطش والقهر لأن مآلاته الفشل عاجلاً وآجلاً؛ هكذا علمنا التاريخ البعيد والقريب...
يبدو أن مجلس النواب لن يتمكن من عقد جلسة لمناقشة استقالة رئيس الجمهورية لعدم حضور أعضاء المجلس من المحافظات الجنوبية، ولأن الظروف غير طبيعية فالمجلس يقع تحت حراب المليشيات المسلحة، ولو كانت الأوضاع اعتيادية واجتمع المجلس حسب الدستور وقَـبِـلَ الاستقالة فستنتقل الرئاسة إلى هيئة رئاسة مجلس النواب لمدة شهرين يتم فيها الإعداد للانتخابات، وهذا مستبعد في ظل الظروف القائمة.
أما تشكيل مجلس رئاسي أو عسكري فلن يكون من السهل الإتفاق على أعضائه ورئاسته، ولا أعتقد أن أي طرف يحترم نفسه سيقبل أن يكون مجرد ديكور لتجميل الصورة، ويكفي أن اتفاق السلم والشراكة أريد له أن يكون مبرراً لابتلاع الدولة في فترة قياسية!!
قد يكون الخيار المتاح انسحاب الأحزاب من العملية السياسية التي تتم تحت وطأة السلاح، وعلى جماعة الحوثي تحمل مسؤوليتها بعد أن أصبحت البلاد من دون رئاسة ولا حكومة، ومن حق أي حزب إذا اتفق معها أن يشاركها ويتحمل معها المسؤولية.
أما الخيار الأقل كلفة فسيكون بالاتفاق على إقناع الرئيس بالعدول عن الاستقالة مع شروط جديدة، على أن يوضع برنامج مزمن لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
يتحمل المجتمع الدولي جزءاً كبيراً من مسؤولية ما آلت إليه الدولة من انهيار، فالأمم المتحدة لم تقم بواجبها بنزاهة وحيادية، ومبعوثها جمال بنعمر ظل يحرص على تنفيذ أجندة أمريكا التي لا تفكر إلا بمصالحها ولو أدى ذلك إلى فتن وحروب، وتجربتها السيئة في العراق وسوريا ماثلة للعيان، أما دول الخليج فقد كان تقديرها لما يحدث في اليمن أقل من حجم التحديات التي تمر بها اليمن والمنطقة!!
المؤتمر الشعبي العام حزب كبير وله امتداد على كامل الساحة اليمنية، ولا يمكن تجاهل تأثيره، ويمكنه أن يسهم بجهد كبير في تحقيق الأمن والاستقرار، وأتمنى أن يبدأ خطوات عملية لإنهاء خلافاته مع أحزاب المشترك التي يحب أن تبادر هي أيضاً لطي صفحة الماضي معه حفاظاً علي اليمن من التشظي والانهيار.
لا بد من الإشادة بالشعب اليمني العظيم الذي أظهر من التآلف والتعاون والتراحم ما حافظ على الأمن والاستقرار على الرغم من غياب الجيش والأمن واستقالة الرئيس والحكومة، التقدير للشعب اليمني الذي مازال متحلياً بالإيمان والقيم والأخلاق والمبادئ الإسلامية والأعراف الحميدة ما جعل الحياة - من دون رئيس ولا حكومة - تبدو طبيعية مع قسوتها واشتداد المعاناة..
* من حائط الكاتب على "فيس بوك"