عدنان الجبرني

إسرائيل والحوثي.. أبعاد الهجمات المكررة

عدنان الجبرني
الأحد ، ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٨ مساءً

شنّت اسرائيل أربع موجات هجومية ضد الحوثيين، حتى الآن، وكلها مكررة، وتأخذ شكلاً مهرجانياً يرافقه تصريحات متعجرفة، ولكن قبل تفسير دوافع وغايات إسرائيل نحاول فهم منظور الحوثي لهذه الضربات.

أولا: لا بد وأن الحوثي سعيد بأن الإسرائيلي بدأ انتقامه من حيث تأمل الجماعة وترغب وليس العكس، إذ أن استهداف مقدرات عامة تفيد الحوثي في التعبئة الداخلية والخارجية، وتعزيز المشروعية، ويجنبه العزل الشعبي المتوقع في حال أن إسرائيل بدأت انتقامها بكسر رؤوس قيادات الحوثي وقدرات الجماعة الخاصة والنوعية وليس الأهداف الحالية.

ثانياً: هذا المستوى من الغارات الإسرائيلية لا تؤثر في قدرة الحوثي على إطلاق الصواريخ والمسيّرات نحو تل أبيب، وبالتالي هذا يوفر عنصر استمرارية وندية للحوثي، تتيح له تسجيل نقاط تؤكد الهالة التي يسعى إليها.

ثالثاً: يمنح الحوثي فرصة لترسيخ واختبار بروتوكولاته الجديدة في آليات "الدفاع السلبي" والأمن والحركة للقيادات والمقرات، ويتعلم ويدرس أسلوب الإسرائيلي فنياً، ويكتسب يقظة وفهم يمكنه من الاستفادة من درس حزب الله وسوريا عمليا.

رابعاً: الحوثي في هذه المنازلة المعقدة مع اسرائيل وما يبدو استعصاء محتملاً مقارنة بحزب الله مثلاً فإن ذلك يعد إثباتاً إضافياً لأهميته وجدواه بالنسبة لإيران، وتأكيد لصوابية خيارها وصحة قراءتها وقرارها الجريء سابقاً في نقل تكنولوجيا متقدمة إليه واعتماده كساحة صلبة توفر لطهران عمقاً وازناً تستفيد منه في الشدة عندما تخوض صراعاتها الإقليمية والدولية، وهذا المستوى من النظر للحوثي سبق وكتبت عنه خلال الشهور الماضية، والتحوّل الذي أقره سليماني عام ٢٠١٩ في تموضع ومكانة الحوثي ضمن المحور مستقبلاً، وبالتالي فإن بقاء الحوثي فاعلاً في هذه اللحظة الصعبة التي تمر بها إيران ومحورها يمثل مدداً استثنائياً ومبهجاً سيدفع طهران إلى مزيد من الرهان على الحوثي وهو ما سيدفع الحوثي في المقابل الى إرخاء وسحب يده من مسارات إقليمية مرتبطة بالتسوية ووقف الحرب.

أما بالنسبة لدوافع إسرائيل في نهج هذا المستوى من التصعيد ضد الحوثي ولماذا تستمر في، فيمكن افتراض عدة عوامل أهمها في تقديري:

* ضرورة، ونقص جاهزية: سواء معلوماتياً أو لوجستياً، لكن تكرار الحوثي هجماته خلال الآونة الأخيرة يحرج المسؤولين الإسرائيليين، ولذلك يتقصدون في قصف البنى التحتية العامة بتكرار، مع تكثيف الجهد لجمع معلومات أكثر عن الحوثيين وطريقة استجابتهم وهذا يعني أن إسرائيل ما تزال في طور تحضيري، وربما لم يقنعها ما لدى الأميركيين، وتجربتهم المتعثرة منذ عام.

* هدف الردع: وتهديد الحوثي تدريجياً لدفعه للتوقف بدافع خشية خسارته البنى المدنية التي توفر له الاعتراف والموارد، وإذا كانت هذه غاية فعلية مفترضة فهي مؤشر على خطأ في الفهم للحوثي وعلى خطل الإسرائيلي وحلفائه، وسيكون اعتقادهم بأن هناك أثر نفسي على الحوثي وحاضنته من اشتعال الحرائق بخزانات الوقود إثر الغارات، وهذا اعتقاد خائب. لكن في المقابل فان أعمدة الدخان ومسمى المطار والموانئ يكون نافعا لدى جمهور الاحتلال ومواطنيه للقول إن جيشهم لم يقف عاجزاً ويقوم بعمله رداً على الصواريخ الحوثية.

* التدريب: ويعني أن إسرائيل تركز حالياً على تجريب عملي لقدراتها اللوجستية لمعركة بهذا البعد وتختبر مختلف تشكيلات الجيش النوعية، ومستوى الكفاءة التشغيلية وطريقة تنسيق العمليات في الجو للتغلب على المسافة البعيدة ومدى القدرة على المفاجأة أو انكشافها في المسافة التي تفصل الإقلاع من مطارات إسرائيل وبين زمن الوصول الى الأجواء في المناطق اليمنية التي تسيطر عليها جماعة الحوثي والتنفيذ!، وكذلك تحديد حجم ومستوى المساعدة الأمريكية المطلوبة وتحديد الثغرات التي تنقصهم.

* نموذج حزب الله، وهو أن تستمر اسرائيل في الرد الاعتيادي على الهجمات بنسَق مماثل أو مقارب، مما يوحي بقواعد اشتباك، ثم في لحظة معينة تقرر خوض حرب جادة بمستوى مفاجئ كما حدث لحزب الله خلال أسبوعين تحديدا، بين ١٧ سبتمبر وعملية البيجر حتى مقتل صفي الدين وبينهما تصفية نصر الله ومعظم الصف القيادي الأول والمراكز اللوجستية الحساسة. لكن هل يمكنهم ذلك! يحتاج هذا الأمر الى نقاش منفصل.

*من حساب الكاتب على منصة "إكس"

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)