للسعودية قيادة وشعباً مكانة خاصة لدى أكثر اليمنيين، ومن خلال التجربة والفترة التي قضيتها في البلد العزيز بين منتصف السبعينات ومنتصف الثمانينيات، أستطيع القول : إن السعوديين أهل مروءة وطيبة، وكان يتميز اليمنيون بوضع خاص على كل المستويات في المملكة؛ وأتذكر الدكتور محمد آل الشيخ عميد كلية الهندسة في عام 1981، وهو يكتب على طلبي الشخصي، دون سابق معرفة، ودون أخذ أو رد، يضم إلى الدفعة في كلية الهندسة؛ في جامعة الرياض؛ وتم قبولي في جامعة البترول(الملك فهد فيما بعد) أيضاً؛ وأتذكر مدير العلاقات في جامعة البترول الأستاذ فارس الحربي، بعد إجراء إختبار القبول لدفعتنا في معهد الإدارة في الرياض، وهو يقول لي : أنت من اليمن، وقلت نعم! قفال : أنتم أهلنا ولكم وضع خاص! وهناك مواقف لآخرين لا تنسى أبداً.
ولعل من المفارقات؛ إن والدي قُتل في حرب الستينات، مع كثيرين؛ برصاصة خرجت من مخازن السعودية؛ حيث كانت السعودية تقف إلى جانب الإمام البدر، وبعد عشرة أعوام من مقتل أبي، توجهت إلى السعودية، وعملت فيها، ودرست في مدارسها الليلية (ثالث ثانوي في النهار)، وتخرجت من أقوى جامعاتها، وعدت إلى اليمن على الفور، وكنت مع كثيرين، حريصين على علاقة ودية قوية ومتكاملة بين البلدين الجارين، وما زلت. وحررت في ذلك مقالات عدة، وجمعتها في كتاب، بعنوان اليمن والخليج، إرث الماضي وتطلعات المستقبل، صدر في 2010 .
ومع مرور الزمن وما يشهده عالمنا من تقلبات، يزداد التقدير لمؤسس الدولة السعودية الملك عبدالعزيز، ولنجاحه في تكوين وتوحيد هذا البلد العربي الكبير الناجح المهم، وحفاظ أبنائه عليه؛ وهو مكسب عربي حقيقي مؤكد، وركن متين في وضعنا العربي المعاصر.
وفي اليمن ندرك أهمية علاقة بلدينا الجارين الشقيقين، ونحرص أن لا يعكرها شيء من جانب اليمن، ونتطلع أن لا يأتي من السعوديين ما يجعل اليمنيين يذهبون بعيداً في الإحباط والمشاعر والمواقف والتحالفات، كما حدث وفعل اليمنيون، من قبل، وذهبوا بعيداً، في حالات سابقة وتحالفات سابقة، وتحدثت عن ذلك من قبل، بما في ذلك في الكتاب الذي أشرت إليه آنفا.
الحوثيون مشكلة يمنية، وكان الأمل أن يساعد السعوديون في مواجهتها واحتوائها، عندما قاد السعوديون، ما سمي عاصفة الحزم، لكن ذلك تعذر، وكان الفشل، الذي تدور حول أسبابه آراء مختلفة، وكان نصيب اليمن المؤكد من الحرب، الدمار الهائل فقط، وتكوين مليشيات متناحرة.
أما مشروع التجزئة، فهو في مجمله وأصله مشروع خارجي، من زمن الوجود البريطاني والآن؛ وموقف المملكة من وحدة اليمن، هو الذي سيحدد مشاعر اليمنيين ومواقفهم، وبعدهم أو قربهم من محيطهم، ومن المملكة، على وجه الخصوص، لعشرات السنين القادمة.
والحقيقة فإن الدعم الذي يحظى به الإنفصاليون، وتمكينهم، حتى تمت سيطرتهم وهيمنتهم على الحكومة والرئاسة في العاصمة المؤقتة عدن، لم يكن في حسبان أحد، ولم يكن يتوقعه أحد، وهوغير مبرر، وغير مقبول، بل يجب أن يكون مرفوضاً بشكل قاطع، وإن سكت عنه الساكتون، الذين اعتادوا على "تمشية الحال“!
يتبع..
*من حساب الكاتب على منصة إكس