بالرغم من توقف الحرب، أو على الأصح تراجع حدَّتها، بين جماعة الحوثي والحكومة اليمنية، إلا أنَّ عمليات تهريب السلاح بين إيران وجماعة الحوثي تجري بوتائر عالية، بغضِّ النظر عمَّا إذا ما كانت الحكومة الإيرانية ضالعة، في ذلك، ضلوعًا مباشرًا، أو أنَّ وراء هذه العمليات داعمين محليين، بالأصالة عن أنفسهم، أو بالإنابة عن الحكومة الإيرانية، التي عادةً ما يتحاشى مسؤولوها الإفصاح عن هذا الدور، بل ونفي أيَّ صلة به.
خلال الفترة المنصرمة من الهدنة الحالية، التي دخلت حيز النفاذ في 2 إبريل/ نيسان 2022، أحبطت سفن القوات البحرية الدولية المشتركة، في بحر العرب، عمليتي تهريب شحنتي أسلحة، كانتا على متن سفينتين قادمتين من إيران، ووجهتهما النهائية السواحل اليمنية الخاضعة لجماعة الحوثي، في البحر الأحمر، وكان آخرهما السفينة التي احتُجزت في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري قبالة سواحل عُمان، وعلى متنها 70 طنًّا، من الموادَّ الأولية التي تُصنَّع منها الذخائر والمتفجرّات التقليدية، ووقود الصواريخ الباليستية، وبما يكفي لإعداد وقود عشرة صواريخ، وفقًا لما كشفت عنه قيادة الأسطول الأميركي الخامس من مقرّها في المنامة.
ليس هنالك من شكٍّ في أنَّ عمليات تهريب السلاح توفّر ما يفوق الحاجة الراهنة لجماعة الحوثي، وأن ما كُشف من عمليات تهريب ليس سوى غيضٍ من فيض. فعلى سبيل المثال، قال قائد الأسطول الأميركي الخامس، الأدميرال براد كوبر، إن سفن الأسطول صادرت، عام 2021، نحو تسعة آلاف قطعة سلاح، كانت في طريقها إلى جماعة الحوثي. ويرجع إلى ذلك انتظام هجماتها، بالصواريخ والطائرات غير المأهولة، خلال العام نفسه، ومطلع العام الحالي، على السعودية والإمارات، وعلى القوات الحكومية، وصولًا إلى الهجمات بالطائرات، غير المأهولة، التي استهدفت، خلال الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، وهذا الشهر، ميناءي النُّشَيمة وضَبَّة النفطيَّين، في محافظتي شَبْوة وحضرموت، ومقر قيادة خفر السواحل الحكومية، جنوبي البحر الأحمر.
حال أخفقت جهود السلام، وانحصرت عودة الحرب بين الأطراف الداخلية، فإن قدرة القوات الحكومية على تحقيق الغلبة، أو التوازن، على الأقل، لن يكونا بالأمر السهل
لقد أحدث تدفق الأسلحة خللًا كبيرًا في معادلة القوة بين جماعة الحوثي والحكومة اليمنية، وذلك ما أظهرته الاستعراضات العسكرية التي أقامتها الجماعة، خلال الأشهر السبعة الماضية من الهدنة المعلنة التي لم تُجدَّد، أصلًا، منذ 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فضلًا عن ضيق خيارات الرد، لدى الحكومة اليمنية، على الهجمات التي تعرَّضت لها الموانئ النفطية التابعة لها، فقد اعترف وزير دفاعها، الفريق محسن الداعري، بأن وزارته تواجه صعوبةً بالغة في الحصول على الأسلحة؛ جراء إدراج اليمن تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، عام 2014، فيما قال رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، إن حكومته تحتفظ بحق الرد، فيما الحقيقة أنه لم يكن أمامها من خيار، عقب تلك الهجمات، سوى قيام مجلس الدفاع الوطني باتخاذ قرار يصنّف جماعة الحوثي منظمة إرهابية، وهذا القرار بينه وبين الواقع بون شاسع.
المؤكد أنَّ تهريب الأسلحة إلى جماعة الحوثي سيزيد من تفوقها في مجال الصواريخ الباليستية، والطائرات غير المأهولة التي كان لها عظيم الأثر في حمل السعودية على القبول بالهدنة، وإلزامها بالبند الأول منها، المعني بوقف الهجمات الخارجية المتبادلة، بل دفعت السعودية إلى عقد مفاوضات ثنائية بمعزل على الحكومة اليمنية، وربما يكون من نتائجها وقف الهجمات الخارجية لجماعة الحوثي نهائيًّا، بضمان استمرار فتح موانئ الحُديدة التي تتسلّل عبرها الأسلحة المهرّبة، رغم إحجام الجماعة عن تجديد الهدنة، وإخلالها بالتزامها تجاه بقية أحكام هذه الهدنة، وبقاء الموانئ الخاضعة للحكومة تحت طائلة التهديد الحوثي.
داخليًّا، وفي حال أخفقت جهود السلام، وانحصرت عودة الحرب بين الأطراف الداخلية، فإن قدرة القوات الحكومية على تحقيق الغلبة، أو التوازن، على الأقل، لن يكونا بالأمر السهل. وسيعزِّز هذا الوضع بقاء القوات والتشكيلات المسلحة المحسوبة على الحكومة في حالة انقسام وتناحر، لا سيما أن اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لم تُنجِز سوى الجوانب النظرية لمَهَمَّة إعادة تكامل القوات المسلحة، تحت هيكل قيادة وطنية موحدة، وفقًا لإعلان نقل السلطة إلى مجلس القيادة، في 7 إبريل/ نيسان الماضي، وقد أشار إلى هذا التعثر، صراحةً، وزير الدفاع، بالرغم من مرور سبعة أشهر على تكليف اللجنة بهذه المهمة.
*نقلا عن العربي الجديد