توقع بعض اليمنيين أن يشكل الإعلان الذي صدر في السابع من أبريل (نيسان) 2022 مدخلاً وبارقة أمل لإيقاف، أو على الأقل تخفيف عجلة الانزلاق نحو الفوضى العارمة التي سكنت كل مؤسسات الحكومة خلال السنوات العشر الماضية، وتحديداً منذ بداية الحرب في 26 مارس (آذار) 2015، كما أن الأداء الحالي حتى هذه اللحظة لا يسمح بظهور أي مؤشر إيجابي ينبئ بوقوع انفراجة قريبة أو حتى بعيدة تساعد على منح مجلس القيادة الرئاسي مشروعية ودعماً شعبيين.
إن تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وانهيار منظومة الخدمات في مختلف المناطق اليمنية ليس خافياً على أحد، وهو ما يشغل بال كل مواطن، ولا بد أن التعامل معها تواجهه عراقيل كثيرة مرتبطة بدورة الفساد المستشري وسوء الإدارة في فترة ما بعد الحرب، وعدم انضباط إيرادات الدولة، والتغاضي عن تنازل الأجهزة الحكومية والمحلية عن واجباتها الأخلاقية والقانونية، وعدم خضوعها لسلطة رسمية واحدة في المحافظات الجنوبية. ومن الواضح أن مجلس الحكم الجديد ما زال متعثراً ولا يوجد ما يشير إلى انشغاله بوضع برنامج عمل وطني جاد يمكن عرضه على المواطنين ليكون محاسباً عليه أمامهم في ظل غياب مجلس النواب. هناك كثير من القضايا التي يجب توجيه كل الجهود لحلها وحشد كل الموارد لإنجازها، ولكن قبل كل ذلك يجب التوقف عن نثر الوعود وتوزيع الآمال بمشاريع لا تحتملها موارد البلاد ومن الصعب أن تصبح واقعاً، ويحتاج المجلس إلى وضع خطة عمل معلنة وواضحة ومرتبطة بمواعيد زمنية معقولة وببرامج تنفيذية يمكن متابعتها، كما يجب البحث في كيفية تنشيط دور القطاع الخاص الوطني وتأمينه وتقليص الضرائب على مشاريعه الاستثمارية التي ستسهم في تشغيل العاطلين عن العمل وتخفيف التكلفة وتخفيض الأسعار.
لا أنكر حجم التحديات الكبيرة التي تواجه المجلس، ولكن عليه أن يوجه بجدية ثلاث قضايا في آن. وأولى هذه القضايا هي إعادة الانضباط إلى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، والثانية النظر الجاد إلى أداء الحكومة الحالية، والثالثة هي النتيجة من القضيتين التي تتعلق بأوضاع الناس المعيشية.
لقد تعرضت المؤسستان العسكرية والأمنية إلى ضربات متتالية واختل الالتزام بالتراتبية والأقدمية فيهما، وجرى تجاوز النظام تحت الضغط بالمجاملات المحلية حيناً والرغبة الخارجية حيناً آخر، وتسبب ذلك في اختلالهم وأحدث ارتباكاً في نظاميتهما، وتزايد الامتعاض لدى الضباط المحترفين الذين شعروا بالحنق حين شاهدوا من يرتقي سلم الرتب العسكرية بصورة سريعة وغير قانونية بلا تجارب وبدون خبرات عسكرية حقيقية.
قمة الرياض واليمن ومن الطبيعي وضع حد نهائي صارم لمنح رتب عسكرية ووقف توزيعها لغير المؤهلين والأكفاء وعدم القفز فوق التراتبية المعروفة في كل جيوش العالم، لكن المشكلة هنا أن أمر إعادة هيبة المؤسستين مرتبط بأعضاء مجلس القيادة الرئاسي أنفسهم، وإصلاح هذا الخلل يستدعي أولاً اقتناعهم بأنهم وحدهم قادرون ومطالبون بإيجاد المعالجات لها، لأن أغلب الذين يحملون السلاح يتبعونهم. وأكرر أن هذ الأمر سيعطي الناس مؤشراً على قدرة المجلس في إثبات أن أعضاءه جميعاً يعملون لهدف واحد هو إعادة الاستقرار في المناطق التي تقع خارج نطاق سيطرة الحوثيين، وإذا ما نجحوا في ذلك سيكون من المعقول الحديث عن استعادة الدولة وفرض سيطرتها وأحقية المجلس في تمثيل البلاد.
القضية الثانية العاجلة التي يجب حسمها هي الالتفات إلى سوء أداء الحكومة الفاضح وحتمية تغييرها، التي يدرك الناس عجزها عن تحقيق أي خطوات إيجابية لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية.
لقد تشكلت الحكومة الحالية بموجب اتفاق الرياض الموقع في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وسميت حينها بحكومة "الكفاءات الحزبية" والواقع أنها كانت حزبية فقط، ولسوء الحظ فإن التمثيل الحزبي والمناطقي ضيق الأفق منح عدداً غير قليل من الحقائب الوزارية لعدد من غير الأكفاء لتولي مواقع في غاية الأهمية، وأدى هذا إلى فشل ذريع في تحقيق أي إنجاز غير البيانات والمشاريع الوهمية، كما تضخم الجهاز الإداري المرتبط برئاسة الحكومة بلا أي غرض حقيقي سوى المجاملات وتوزيع المناصب وصرف المرتبات.
الواقع اليوم سيضع مجلس القيادة الرئاسي أمام اختبار آخر عسير عند طرح الاختيارات الجديدة لتولي المواقع الوزارية مع أهمية تقليص أعدادها والاكتفاء بالخدمية منها إلى جانب الوزارات السيادية. ولم يعد جائزاً التباطؤ والمماطلة في تغيير الحكومة الحالية، ووجوب إدخال الكفاءات الحقيقية الجادة والقادرة، ولكن المؤكد وأتمنى أن أكون مخطئاً، أنه سيصطدم بالرغبات الذاتية والمناطقية لدى أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الذين تم تعيينهم ممثلين لمناطق بعينها، وآخرين لما يمتلكون من القوة المسلحة، وهذا سيمنحهم القدرة على عرقلة أي مسعى للتغيير إذا لم يتوافق مع رغباتهم وطموحاتهم. وسيزيد تأخر الإعلان عن التغيير الكامل على أسس وطنية واقتصادية من إحباط الناس ويأسهم، وهذان أمران في غاية الخطورة، لأنهما وقود غضب شعبي لن يسيطر عليه أحد.
ستكون النتيجة الطبيعية من تصحيح الخلل الفاضح في المؤسسة العسكرية والأمنية مقروناً بتغيير حكومي عاجل وكامل وجاد بعيداً من المحاصصة المناطقية، هي الانصراف للتعامل الإيجابي مع معيشة المواطن، وتحسن الخدمات وانتظام صرف الرواتب الضئيلة. ونحن نعلم من التجارب أن الشعوب قادرة على تحمل ومواجهة الصعوبات وتفهم ما يتعرض له أي نظام من ضغوط، ولكن ذلك لا ولن يتحقق إلا إذا كانت القيادة صريحة ونزيهة المقاصد وبعيدة من كل شبهات الفساد، وهي شروط أساسية للنجاح.
منذ 110 أيام ينتظر المواطنون من مجلس القيادة الرئاسي أن يتقدم ببيان يشرح لهم حقيقة الأوضاع، وما برامجه ومشاريعه؟ وما المعوقات التي تعترض البدء في الإنجاز؟ قد يقول بعض الفئات إن المدة غير كافية للحكم على المجلس، وأنه من المنطقي منحهم الفرصة لإظهار قدراتهم ومواهبهم قبل توجيه الانتقادات إليهم، وهذا تبرير قاصر، لأن المنتقدين لا يطالبون من الحكام الجدد بأكثر من إظهار الجدية والابتعاد عن اللغة الخشبية التي تعبر عن عجز على الابتكار، كما أنه لا يمكن أن يكون المنتقدون الذين لا يحملون سلاحاً مبرراً في تأخر الإنجاز إن وجد، بل على العكس فإن النقد هو أداة محفزة وليس وسيلة عرقلة كما يروج المدافعون عن كل عهد جديد.
* نقلاً عن اندبندنت عربية