يعد النزاع في المنطقة العربية عقبة في طريق التنمية والإستقرار السياسي والإقتصادي والإحتماعي، وفرضت تكاليف ضخمة على الشعوب العربية ملحقاً أضراراً باهضة في البنى التحتية والممتلكات بما في ذلك خسائر في الأرواح بل وإنهيار إقتصاد البلدان العربية التي شهدت النزاع فيها، رغم غناها بنسب ضخمة من مخزون طبيعي من المعادن والموارد والنفط ، حيث قدر نائب محافظ البنك المركزي المصري خسائر الدول العربية نتيجة النزاعات بنحو 800 مليار دولار حتى عام 2017م
ومن هذا المنطلق تجلت أهمية دراسة النزاع والعمل الإنساني وإدارة الأزمات في دعم الأمن والإستقرار في العالم العربي خصوصاـ ان الدول العربية تعاني شح ملموس في آليات فض النزاع مقارنة ببقية البلدان وفشل الجامعة العربية لتفعيل أدوارها في فض النزاعات والصراعات في العالم العربي وقد اقتصر دورها على الإدانة ومحاولات التوافق دون أي إلزام حقيقي لإنهاء ذلك ،وحتى منظمة الأمم المتحدة فشلت في حل كثير من النزاعات لوجود البيروقراطية الشائخة في أروقتها وعدم القيام بإصلاحات فعالة لحل النزاع وأنسنة الإتفاقيات فيجب إصلاحها وتصحيح مسارها في حل النزاعات في كافة الإطارات، فدراسة النزاع سيتمكن المهتمون من معرفة الأسباب، ووضع الحلول وبناء فلسفات صنع السلام ومساعدة أطراف الصراع في الوصول إلى وجهات النظر ومن ثمّ الحلول ، بينما العمل الإنساني، يقوم بأدوار محورية وهامة في مواجه التحديات الإنسانية لمساعدة البلدان العربية المتضررة من بلوغ أهداف التنمية المستدامة، ومحاربة الجوع والمجاعات التي تتستشري في بعض البلدان العربية نتيجة للحروب، حيث تحتاج تلك البلدان لأكثر من أي وقت مضى إلى إعلاء الإعتبارات الإنسانية وأهمية دراسة النزاع للتعامل مع تلك النزاعات القائمة والكوارث الطبيعية التي تنعكس سلباً على الشعوب العربية والتي أعادت النظر والإعتبار لأهمية دراسة النزاع والعمل الإنساني باعتباره ضروره لتعزيز الأمن الوطني للدول العربية وشعوبها.
لكل مشكلة سبب وللنزاع في المنطقة العربية مسبباته، حيث سادت بعض الأنظمة العربية سوء الإدارة السياسية والإقتصادية والتي أنعكست على كل مجالات الحياة، وغياب العدالة ولعب التضليل الإعلامي دوراً في تأجيج النزاع مابين الأنظمة والشعوب لإستخدام سياسات الإستغباء، الإعلام السوري أنموذجاً، وساد أيضاً التهميش، مما أدى إلى هجرة الأدمغة العربية والكفاءات والتي تركت وراها فجوة مما زاد النزاع وانتشر حدته مابين مختلف فئات الشعوب، وسادت الطبقية نتيجة للفجوة الإقتصادية وعدم التوزيع العادل للثروة وأسباب أخرى التي انعكسب سلباً على السلام وظهور الأزمات الإنسانية وغيرها.
غليان بلغ الذروة في إشتعال النزاعات في المنطقة العربية إبتداءً من اليمن والعراق مروراً بسوريا ولبنان والصراع العربي الإسرائيلي وصولأ إلى دول تعيش في منطقة القرن الإفريقي كالسودان والصومال وليبيا، وإن هدأت في بلد أشتعلت في آخر، وأينما حل النزاع والصراعات رست الأزمات الإنسانية، وانهيار الإقتصاد فقد تكبدت العراق خسائر فادحة منها 350 مليار دولار للبنى التحتية نتيجة ليسطرة تنظيم داعش على ثلث البلاد بعد إعادة الإعمار ناهيك عن الخسائر الفادحة في كل المجالات، ووصل العجز التراكمي لسوريا للناتج المحلي الإجمالي إلى 226 . مليار دولار وهذا غيض من فيض في الأرقام المهولة نتيجة للنزاعات، ناهيك عن أرقام مفزعة في أعداد النزوح وتدني مستوى التعليم في البلدان التي يحتدم فيها النزاعات بل وخروجه من التصنيفات العالمية، وتراجع مخيف في معدلات التنمية البشرية.
ثمة قضايا نزاعات برزت في المنطقة العربية وهي شحة الأمن المائي حيث تعيش أكثر من أربعة عشرة دولة عربية تحت خط الفقر المائي وهي مشكلة تكبر مع الوقت وقد خاضت بعض الدول نزاعات إقليمية جيوسياسية على المياة ومؤخراً عاشت مصر والسودان أسوء أزمة مع أثيوبيا حول مياه النيل وتعبئة سد النهضة وكذلك العرب وإسرائيل حول مياه نهر الأردن وبدأ الإستهلاك الفعلي للمياه بما يشكل خطراً في حقوق الأجيال القادمة من المياة.
أما واقع النزاع في اليمن فيعود إلى عقود من الزمن لأزمات سياسية وإقتصادية خانقة وبشكل متكرر، وعلى سبيل المثال لا الحصر التوترات ما بين شمال اليمن وجنوبه، وكذلك حرب الإنفصال 1994م ويليها حروب صعدة الستة، وعلى صفيح ساخن بالأحداث، برز حديث أمريكي غربي بتوسع القاعدة في شبه جزيرة العرب الأمر الذي انعكس سلباً على النظاَم السياسي ونتج عنه هزه معنوية له في المكانة الدولية، تزامناً مع ذلك تعرضت اليمن للعديد من الكوارث الطبيعية كفيضان المهرة وحضرموت وزلزال ذمار.
على ضوء تلك المعطيات السابقة لتلك الأحداث عاشت اليمن نزاعات وفوضى عارمة، وأزمات إنسانية خانقة وصنفت كأسوء أزمة إنسانية بالعالم حسب تقارير الأمم المتحدة لعام 2020م وقد حققت أرقاماً قياسية على خارطة الأزمات الدولية وأكبر أزمة أمن غذائي بالعالم، وصنفت أيضاً الدولة الأولى ما بين الدول الهشة لعام 2020م'حسب تقارير صندوق السلام الأمريكي بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي، وقد أحتلت أيضاً المرتبة الأخيرة في مؤشر الإبتكار العالمي الصادر من جامعة كورنيل الأمريكية وكذلك الترتيب الأخير في مؤشر التنافسية العالمية للمواهب وكل هذا بسبب إنقلاب مليشا الحوثي الإرهابية
وكل هذه المؤشرات بحاجة ماسة إلى تخصص إدارة النزاع والذي بدوره سيساعد أطراف الصراع على صنع السلام وخفض إحتمال عودته مرة أخرى أو تجنبه وذلك من خلال مقاييس ومعايير متينة للسلم والتنمية وكذلك إستشارات شاملة في إستراتيجيات السياسة المتبعة في ذلك، بينما العمل الإنساني سيسهم بشكل كبير في دعم الأمن والإستقرار في اليمن خصوصاً أن اليمن تعتمد المساعدات الإنسانية في سياستها الداخلية والخارجية باعتبارها ركيزة التنمية المستدامة وبالذات في فترات الحروب، وتحديداً في مجال الأمن الغذائي والصحة والتعليم ومشاريع أخرى في مجال البنى التحتية واساسيات الحياة وهذا يلعب دوراً كبيراً في حماية الحياة والكرامة الإنسانية وبالذات للفئات الضعيفة وتحقيق التنمية والإستقرار للشعب اليمني.
إن النزاعات التي تمر بها البلدان العربية اليوم لا تهدد الأمن البشري فقط، بل تقوض إنجازات التنمية وتمحو مكاسب عقود من الزمن في فترات وجيزة، ولا شك أن تلك الخسائر تمثل حسرة في قلب كل عربي، وتدق ناقوس الخطر أن كفى كفى، وقد حان الوقت للشعوب العربية أن يستعيدوا السلام العاجل والمستدام، ويلملموا جراحاتهم النازفة عبر الديبلوماسية والوساطة وطاولة الحوار وأن يستفيدوا من طاقتهم المهدرة بما يسمح لهم من تبوء المكانة المرموقة بين الأمم ولأن السعادة هي الغاية التي يركض خلفها كل سكان الأرض، والأمل الذي يتوق إليه العرب، سيظل الأمل وقودنا في إستعادة السلام والسير نحو مستقبل أفضل ، وذلك من خلال رسم خطط و برامج تحوي على معالجة جذور النزاع ومحركات الهشاشة وبرامج إعادة الإعمار وخطط التنمية وآليات الخطط السليمة للعمل الإغاثي والإنساني بما يضمن تحقيق السلام المستدام والتوجه نحو ميادين التنمية الشاملة.