أطلق الدكتور «نايف الحجرف» أمين عام مجلس التعاون الخليجي مبادرة مفاجئة تلت لقاءه بفخامة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وتمثلت إستراتيجية «التعاون» في تنظيم لقاء يمني - يمني يناقش 6 قضايا أساسية تبدأ بالملفات الإنسانية، ولا تغفل الصدام العسكري والتواجد الأمني، وتنتهي بإعادة الإعمار.
قلت لصديقي المتوقد رغبة ونقرًا على هاتفه الجديد: اللقاء لليمنيين، ومن يتخلف فليس مِنّا، هزّ رأسه علامة التفكير، وأدركته بتعليق إضافي: إنها كقول «حِطَّةً» في القرآن الكريم، من قال «اليمن بلدي» و«اليمن أولًا» سندركه في باب «الرياض» مُحتزمًا عزمه وهمته وإنسانيته ليحل مأساة بلاده، ويقدم لأجلها التنازلات الجميلة، فاليماني إذا التقى بأخيه، فاضت المشاعر وطفت المودة والقربى، وإذا تباعدوا أقبلت الظنون بآثامها.
فقال ولا يزال في فمه سخط: أنت تعلم أن الحوثيين لا يؤمنون بحوار، ولن يحضروا؟ وإذا حضروا لن يمتثلوا، وإذا وعدوا نكثوا. هززت كتفي، وقلت: بذلك يكونون قد أثبتوا أنهم ليسوا يمانيين. زاد سخط صديقي: أو لا تعلم أنهم مرتزقة لإيران، وبقايا جاليات أعجمية منبوذة وعنصرية؟ وكاد يمضي حنقًا، وقد أضاف: وكأنك لا تعرفهم؟
يحتاج العالم يا صديقي إلى تذكيرهم بسوء الحوثيين، فما تراه لا يرونه، وما تصطليه من هجرة وبعاد لا يشعرون به، وبك. وفي العالم قوانين أخرى، تقوم على مصالح دول، على دول، وقد فاقت السعودية والإمارات احتمالات الرشق بالحجارة والكلمات، وتجاوزت الصواريخ والمسيرات حدها المزعج إلى الإيذاء الرخيص، وهم - أي الحوثيين - ليسوا على أمر بلد يهمهم أهله، وتضعفهم أناته، وترهقهم أصوات جوعه، بل لا يحفلون بأحد، ولديهم مسيرة مُسيّرة من السلاح والصواريخ والعتاد المُهرب من كل صوب. أعلم يا صديقي، أنهم لا يحتملون شرف الكلمة، ويحسبون الخداع دهاء، والقتل عبقرية، فينقلبون إلى أهلهم فكهين، وكلما رأونا تغامزوا، وسخروا، ونحن نسخر كما يسخرون، ويظنون أننا على عواهننا لقمة سائغة، لكن نضالنا الباسل أرهقهم، وسيفضون يومًا إلى الأرض بتعبهم، ويأسهم، فلكل مجرم قدرة بشرية على الاحتمال، وفوق ذلك يُحاط به، وينتهي إلى سوء عمله بخاتمة مريعة.
نحن فقط يا ابن بلدي، نريد أن نلتقي معًا، كل المكونات وكل الطامحين، وأهل الجيوش، والفكر وأرباب الحديث من المهرة إلى عدن، ومن عدن إلى صعدة. خمسمائة من المختارين في لقاء التعاون، نلتقي بعد ابتعاد، والعين أمام العين تستحي، والظنون الآثمة تنحسر، والأثقال المحملة بوزر العتاب تتخفف، فنرى ما يمكن من أسباب التعاون تحت مظلة التعاون، وعلى قاعدة من شذ، شذ في النار.
بعد كل هذا، التفت صديقي الذي كان متسمرًا، يسمعني من وراء ظهره، وقد بانت على محياه ابتسامة بعيدة، قلت له ضاحكًا: ابتسم، فها أنت تلين، ولو ناقشتك في مساحة صوتية، أو جدال على صفحات التواصل ما خلصنا لنتيجة. فبات في حيرة جديدة، وضربت كفًا بكف، وأقبلت أعانقه، ثم سألته: هل ترى لغة الجسد، هذه اللقاءات مهمة، إنها أسلوب حياة، توضع الأسئلة وتُجاب، وتنداح الشكوك مثل الكروش، فتأخذها حمية ورياضة، فتستقر عافية وبساطة.
رغم كل ما قلته، لا يزال سؤال صديقي جافيًا مثل عود يابس: لكنهم لن يصدقوا، ولن يهتموا لأمر البلاد ولا تزال نظرية الولاية، ووهم الحق الإلهي في الحكم والسلطة والثروة محركهم العقدي، بل لن ينصاعوا ولا تزال إيران تعربد، وتنفرج أساريرها بأخبار الاتفاق النووي المقبوض عليه في فيينا.
سألته: من تقصد؟
أجاب مندهشًا: الحوثيين، ومن غيرهم.
حينها، كنت أردد في نفسي: صدقت، لكني أضفت هامسًا في أذنه قبل أن أتوارى: لنرَ.
ومضيت.