وحدها الموسيقى تهزم الرصاص، وتعيد تلوين الخراب ليغدو مباهج تسري فيها الحياة..
لاشيء كالفن يبهج النفوس، ويزيل ركام أحقادها وصراعاتها.
لو كان الفن وجمالياته شريعة لما اهتدى الناس للبارود والسلاح ولونوا حياتهم بالدماء.. منذ البدء كان الفن حالة سلام الإنسان، وإنسانويته وسمو شعوره، حين يلجأ الإنسان للفن؛ كما لو أنه يضع السلاح والصراع جانباً ويخلد للانسجام والمحبة..
يعيش اليمنيون في أتون الحرب لأن الفن لم يغزُ عقول الساسة فيه، ولم يهذب اتجاهاتهم، أو على الأقل لم يمنحهم فسحة الحياة الهانئة بمشاعر السلام والحب وهذه رسالة الفن، فوجدوا أنفسهم في فراغ الصراع والاستحواذ وتخريب الحياة..
لذلك لم يكن قول ديستويفسكي عابراً حين قال" مجرمٌ من لم يحب الموسيقى" ليس لأن الفن هواية، لكنه لأنه - أي الفن- منهج تهذيب وتقويم للنفس، فالذين نفوسهم تأنف الفن والجمال هم بالضرورة متوحشون ويصنعون الحروب والجريمة..
وهكذا كانت حفلة ( نغم يمني على ضفاف النيل) بالقاهرة، بدلالاتها ووقعها، أكثر ما جمع اليمنيين في كل مكان، على حب الوطن والسلام ونبذ الصراع والحرب..
أرأيتم كيف هفت نفوس الجميع واستراحت لنغم قال في صداه: أيها اليمنيون هذا وطنكم وتراثكم فافخروا به وأعيدوا له الحياة وانبذوا كل أدوات الموت فيه .. حينما سمعنا أصوات الآلات الخشبية تعزف النشيد الوطني والتراث والطبيعة والهوية اليمنية؛ هزمت بدواخلنا كل آثار الحرب، وأشعلت جذوة الحب للوطن ..
الوطن اليمني الكبير الذي يملؤه الحزن من قاعه لرأسه، كما لو أنها أذابت كل هذا الضجيج ومنحت الوطن كله السكينة.. تحية لحضرموت الثقافة، الجمعية والناس، تحية لكل الذين أعادوا تلوين العلم اليمني وأزالوا عنه دخان الرصاص بعزف في نشيج أرواحنا المهترئة..فصحت وضجت بالسلام ..
المجد لليمن ..والسلام الدائم ..واللعنة على كل تجار الحروب وصانعيه.. المجد للفن في مواجهة السلاح.. المجد للثقافة والفكر في مواجهة العنف والجمود.. المجد لكل من يعشق اليمن وتراثها وغنائها وصوتها الطربي..في مواجهة أصوات الرصاص..
وبعد؛ ألا يرى الساسة كل هذا الاحتفاء بنغم بسيط وحّد قلوب اليمنيين؟ وكيف لهم أن يبقوا على جرمهم أو نزواتهم أو تخاذلهم أمام كل هذا السلام؟ لو لم تكن مثل هذه الموسيقى اليمنية دواءاً لأوجاع الناس؛ فإنها بالضرورة درساً وحجة على كل أمراء الصراع والحروب، أن أمامهم شعب يريد السلام والحب والفن والرفاهة، وينبذ كل عنف ودمار، وقد أنف الشعب كل خرائبكم وسوء أعمالكم..
هاهم الناس يلتفون حول الجمال والسلام، ولايرونكم .. يحتفون بالحياة ولا يأبهون لموتكم.. يفرحون بالمحبة ويكرهون صراعاتكم .. فهل من معتبر ؟
* من صفحة الكاتب على الفيس بوك