ما أغبى البشر حين يتحول إلى ببغاوات تحفظ وتردد ما تسمعه من بني آدم، وربما لا تفقه منه شيئاً.. من يدري لعل الببغاء يفهم مايردده! لكننا نحن لا نجيد الفهم أو لربما لا نريد الفهم، لأن الفهم له تبعات وتقع عليه مسؤوليات.. أو لعلنا دراويش نسمع ونطبل ونرقص ونعيش على ما يقولونه لنا الآخرون.. سعيدون بحالة الشقا: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم. ماذا لو ارتقينا قليلا إلى المرتبة التي أرادها الله سبحانه لنا، إلى مرتبة الإنسان العاقل، القادر على التمييز بين الحق والباطل، والخير والشر؟
نتلقى للأسف كل ما ورد ويرد إلينا من الماضي على أنها مسلمات عقائدية لا تقبل النقاش أو النظر والتمحيص فيها، وكأنها تنزيل من حكيم عليم، بالخصوص السنة والتاريخ، وما أعظم الزيف في تاريخ المسلمين المدون منذ العصر العباسي وإلى اليوم؛ حيث نقلوا لنا تاريخا ليس بتاريخنا، وأحداثاً على عكس وقائعها وحقائقها. وأضخم وأعظم حادثات زورت في تاريخنا الإسلامي هي ما ارتبط منها بعلي بن أبي طالب، وابنه الحسين، ودولة بني أمية، وبالأخص بمعاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف الثقفي.
وارتباطا بعاشوراء نتناول اليوم موضوع الحسين بن علي، الذي دارت حوله البطولات الأسطورية المزعومة، ولا ندري كيف استطاعوا حشوها في عقولنا بعد أن تمكنوا من حشوها في بطون الكتب وسطور المرويات. الحسين شخصية جدلية، تكاد تكون أسطورية بسبب الصفات والخوارق التي ألصقت به من قبل الشيعة واليهود، ونسبوا له المحاسن كلها، في المقابل شيطنوا كل من وقف في وجهه وأعماله. لكن السؤال الأول الذي يقفز إلى السطح وبكل عنفوان وقوة: ما دخل الحسين بعاشوراء النبي موسى عليه السلام؟! وتستجر الأسئلة بعضها بعضا في مخيلتي، وأريد إشراك القراء في قراءة جزء من الماضي لنتفكر فيها معاً. رجل - الحسين - في ذاك الزمان خرج بسيفه على الأمة وأميرها - يزيد بن معاوية - بعد أن تصالح أخوه الحسن مع أمير المؤمنين معاوية، فأشعل فتنة يحترق المسلمون بنارها إلى يومنا هذا، وكما فعل أبوه من قبله مع معاوية.. لماذا ياترى؟!
لم يقاتل الحسين بن علي أمير المؤمنين يزيد بن معاوية لأجل الدين، ولا ثورة على "الظلم" كما يدعي الشيعة، وإنما لأجل أن يكون الحكم في سلالة بني هاشم، لا في سلالة بني أمية، وهذا يعني أن ثورة الحسين كانت ثورة سلالية لا ثورة لأجل الإنسانية.. ثورة لأجل الذات لا ثورة ضد الظلم؛ لا سيما أن أخاه قد سلمها لأمير المؤمنين معاوية، واعترف بدولة الأمويين. بل وان يزيد بن معاوية وفقاً لذلك فعل بالحسين ما يجب عليه فعله كقائد في الخارجين عن النظام والقانون لأجل مصالح شخصية، وطموحات سياسية، فأنقذ الإسلام من تحويله إلى دين عائلي سلالي وراثي للنطفة "المقدسة" المزعومة.
قول الحقيقة والحديث عنها لا يقطع صلة المسلم بنبيه محمد "ص"، ولا ينفي عنه صفة حبه للنبي، فهذا شيء ، وذاك شيء آخر. نحب نبينا محمد (ص) لأنه المصطفى، رسول الله، لأنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة، الذي أنقذني الله بها من الضلالة والجهالة. نحبه لإنسانيته، ولأنه رحمة للعالمين!
دعونا ننظر إلى الأمر من باب السنة: ألم يقل نبي الأمة (ص) عن حفيده الحسن بن علي: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"؟! بلى! نعم قالها (ص). فهذا هو السيد في قومه وعند الخلائق، من يطفئ الحرائق.. وهو المصلح الإجتماعي الأول. إذا تناولنا هذا الحديث بعمق فإننا نصل إلى نتيجة واحدة لا تقبل التأويل، وهي إذا كان من يصلح سيداً، فإن من ينقض الصلح رجل فتنة.. إذا كان الحسن يصلح الله به بين المسلمين منعاً للإقتتال، ودراءً للفتنة، فإن من يسلك غير هذا السلوك يكون مشعل فتنة ومسعر حروب بين أهل ملة الإسلام. هل هناك من منطق وفهم آخر غير هذا؟ لا يوجد!
العيب ليس في الشيعة الذين حرفوا وزوروا التاريخ، وإنما العيب في مشايخ السنة حيث يقرون أكاذيب الشيعة وينشرونها عن الحسين أنه سيد شباب أهل الجنة،ببنما السيد الحقيقي هو الحسن بن علي ذاك المصلح العظيم.
عقول منحها الله للإنسان تكريما، فأبى إلا أن يحط من قدرها وينكسها!