يقول الشاعر والإعلامي اليمني محمود الحاج " إلى تهامة ":
وقاك الله شرا وانتقاما
وأخطارا مفخخة جساما
مدى التاريخ كنت منار سلم
وخيرك ثروة الغازي دواما
لربما يُصنف العديد من القراء هذا المقال على النحو العنصري أو المناطقي وعلى الرغم من ذلك فهل من المُعيب أن يتحدث المرء ولو لمره واحدة بعنصرية في حب تهامة وأهلها، الذين جُل ما يطمحون له مجرد الحصول على حقوقهم المشروعة تحت مظلة الدولة اليمنية والنظام والقانون دون أي استثناءات أو مزايدات.
اتحدث اليوم عن (تهامة) ناقدا وموجها ومعبرا عن الاستياء من الصورة النمطية أو التقليدية التي رُسمت لأبنائها وهذه الصورة يعرفها الكثير منا، والتي تم اختزالها في المعاناة – والتهميش- والحرمان، كما ساهم العديد من أبنائها في تثبيت هذه الصورة لدى الأنظمة والحكومات المتعاقبة على حكم اليمن، فكانت الصورة الأكثر بشاعة في النظر للتهاميين بأنهم "كسالى وجبناء وسلبيين".
والنظر لتهامة الأرض والإنسان بأنها ملخص خارطة البؤساء والمستضعفين الذين يمتلكون ثروات هائلة يعبث بها النافذون والمتسلطون منذ آخر ثوراتهم التي عرفت بـ«ثورة الزرانيق» كأول ثورة شعبية ضد حكم الإمام يحيى عام 1919، فتاريخها الطويل من النضال والمناضلين تم طمسه ليتحول لتاريخ طويل من القهر – والنهب- والاضطهاد شارك فيه قلة من أبنائها منهم المشايخ والمسؤولين والمنتفعين من ارتبطوا بالحكام ومراكز السلطة والنفوذ حتى اليوم، عبر تكديسهم الفتات الذي كان ومازال يشتريهم به من أراد استغلال تهامة وبسط نفوذه عليها، وفي المقابل تستخدم هذه المكتسبات لقهر أبناء جلدتهم لكن الواقع المُعاش والملموس في تهامة أكثر بؤساً وأكثر قهراً وأكثر وأكثر وأكثر أنه الوجع المضاعف.
وعلى الرغم من معرفة الأسباب ومكامن الخلل في التعامل مع قضايا أبناء تهامة وحقوقهم المنسية كان لابد من تسليط الضوء أكثر وأكثر، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك أسباب كثيرة للموت في اليمن منها ما هو بسبب الحرب ومنها ما هو بسبب نقص الرعاية الصحية وانتشار الأمراض ونقص الغذاء وغيرها قد تتعدد الأسباب ولكن الموت واحد، الا في تهامة يضاف لها القهر والجهل والأمية وطبيعة الناس وتكوينهم، فالتهاميون مسالمون طيبون هم من قال فيهم رسول الله "ص" (أرق قلوباً وألين أفئدة) إن صح التعبير، فأستغل الغلاظ الجلاف حكام اليمن وعسكرها ومتنفذيها طيبة أهل تهامة ورقة قلوبهم فنهبوهم وقتلوهم وأخضعوهم بالقوة تارة وبالحيلة تارة أخرى، كل ذلك على مرأى ومسمع (شيوخهم وكبارهم) الذين كانوا ولا زالوا يقنعون بالقليل أو بالفتات فهم من يتحملون الوزر الأكبر.
فتهامة تُقهر بأبنائها وهذا ما يتضح جليا فيما نراه من نزاعات بينيه وتعظيم المصالح الشخصية وعدم التوافق والانسجام للمشاريع الجامعة لمطالب تهامة وأبنائها، إلى جانب الكيد المتبادل فيما بينهم؛ ولذلك لابد من تصحيح المسار قبل فوات الاوان.
ومن الاشياء المضحكة المبكية التي عانت منها تهامة وما زالت تعانيها قوة وتسلط المتنفذين على تهامة الأرض والإنسان، فمزارع تهامة مثالاً صريحا لضياع الحقوق وسلبها فهذه المزارع والأراضي تتبع في معظمها لنافذين عسكريين وقبليين، يشترونها أحيانا بثمن بخس، ويسيطرون عليها بالقوة غالبا، ليتحول ملاكها الأصليون إلى عمال بأجر زهيد لدى هؤلاء المسيطرين.
وتعد أراضي تهامة ضحية النهب الأولى قبل أراضي الجنوب بعقود، بسبب الصورة النمطية التي اعتدنا أن تلزمنا نحن أبناء تهامة ما حيينا وهي كما يقال بأن (سلمية وبساطة أبنائها ساعدت على استمرار عمليات النهب المنظم حتى اللحظة)، وغيرها من الأمور المحزنة التي يطول شرحها.
وعلى وقع ذلك هناك العديد ممن يتساءل ويقول ماذا تريدون يا أصحاب تهامة؟ عندها نعجز عن الإجابة ونطلق العنان للشكاوى بوجود مظلومية وتهميش وحرمان، دون النظر بعين الاعتبار إلى الأسباب الكامنة خلف هذا الظلم والتهميش، والسبيل الحقيقي للتخلص منه.
وعليه: وجب أن نستفيق من سباتنا ونعرف اولوياتنا كتهاميين ومعرفة احتياجاتنا لعبور هذه المرحلة الهامة في تاريخ تهامة لرفع المظلومية عن أبنائها والظفر بالحقوق والمشاركة العادلة في السلطة والثروة كحق مكتسب، من خلال تكاتف أبناء تهامة تحت شعار" نيل الحقوق وضمان المشاركة العادلة في السلطة والثروة، وليس تحت شعارات "التهميش والمعاناة والحرمان".
أيضاً بتوحيد الصفوف وتحديد الأهداف يستطيع التهاميون قلب الطاولة على الجميع؛ ولا اقصد هنا قلب الطاولة بمعنى التمرد أو العنصرية في المطالب، أو المطالبة لا سمح الله بالانفصال، ولكن مقصدي هو إن استطاع التهاميون نبد الخلافات وتوحيد راية الحقوق والمطالب والتعلم من الأخطاء والتباينات فيما بينهم، وقتها يستطيعون قلب الطاولة على كل من سيزايد بحقوقهم وقضايا أبنائهم.
أعرف أنني لم اقُدم الجديد فيما يخص تهامة كقضية وجود على هذه الأرض الطيبة المستباحة لمن هب ودب، ولكن باعتقادي لو استطعنا أن نغير الصورة النمطية التي رسمت لنا أو رسمناها لا نفسنا للتعريف بمظلوميتنا وننظر لقضيتنا بعين القوة والاستحقاق، ونضع نصب اعيننا حقوقنا ونسعى لانتزاعها بشتى الطرق والوسائل المشروعة، والأهم من ذلك أن نعتذر عما بدر منا في حق انفسنا، حينها سنكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح الذي يجعلنا في صدارة المشهد، لننتصر لقضيتنا وأرضنا بعيدا عن الصورة المنكسرة لشخصية التهامي المهمش والمحروم الذي يتم المزايدة بحقوقه.